ضلة للإنسان أن بات وهو دون الحجر صلابة ومتانة. وأصبح وهو دون الشجر رزانة ومكانة. وظل وهو دون هذا وذاك وفاء وذمة وأمانة. أجل إنما تقلع الأدواح لتدعم بيتاً هو مأوى الكرام في كل حين ومقرى الطارق المستنبح إذا استكلب القر:
وعزت الشمأل الرياح وقد ... أمسى كميع الفتاة ملتفعاً
وهو موطن الجود ومثوي البر. على جباة أهله ونازليه آية الهدوء والطمأنينة وفى وجوهم نضرة النعيم وفي عيونهم نور اليقين وعلى رؤوسهم ترفرف ملائكة القناعة والإيمان والرضا لا يسألك أهله عن دارك ما نظامها. ولا عن مائدتك ما طعامها. كل له غرضه في الحياة ومقصده. وما سؤالهم عن ذلك وليس نعيم البيت في خوانه ولكن في أخلاق أهله وعرفانهم وصالحات أعمالهم وكأني بالبيت الذي يجمع هذه الخلال في غير حاجة إلى الحلوق. وكذلك يحدث تغير القصد تغييراً في قيم الأشياء عندنا حتى نراها بعين جديدة ونقيسها بمقياس آخر. إذن مفهم معنى الفقر والغنى فنعلم أن الفقر هو الشعور بالفقر وكم من فقير في نظر الناس وهو لا يشعر بفقر وكم من غنىّ في نظرهم وهو أن نظرته بعين البصيرة وسبرته بمسبار الفطنة المترب المعدم والعظمة النفسية والعناية بالمال لا تجتمعان في صدر قط وما أن رأينا من عظيم يعنى بالمال ولو يعنى لأخل ذلك بعظمته وذلك أن العظمة النفسية توقظ المدارك السامية وترقد الدنيئة غير أن السامية تجد أغراضها في كل مكان. ولا تجد الدنيئة أغراضها إلا في المرقص والخوان.
ناشدتك الله أيتها الزوجة الكريمة أن لا تكلفي نفسك من أجل هذا الضيف فوق وسعها وأن تأخذي من دمك ودم زوجك وأنجالك لتصنعي له مأدبة إمبراطور وفراش سلطان. فإن كانت حاجة الضيف في ذلك ففي ليرة ينفقها بهذا المطعم وذاك النزل قضاء حاجته. ولكن أر الطارق إن شاء في صحيفة محياك وفي لحظ عينيك وفى جرس شفتيك وفي لطف شمائلك آية برّك وإحسانك. وعطفك وحنانك. وليكن وجهك دليل قلبك. ولحظك عنوان نيتك. والوجه المشرق الطلق آية القلب المخلص والضمير الطاهر:
وإذا ما مخابر الناس غابت ... عنك فاستشهد الوجوه الوضاء
فذلك خير له من المصفق في الأكواب. ومن المرقق والصناب وذلك لا يباع ولا يشتري والصناب يباع ويشترى. وهو الذى تشد إليه الرحال، وتضرب إليه أكباد الآبال، ويحتمل