وحله وترحاله. فقال أجل إنى لكذلك الطائر الدائم الجولان لا يقع أبداً فأنا أبداً على العجلات كما ذلك الطائر أبداً على الجناحين. ثم تصرمت بعد ذلك العصور. وتجرمت الدهور. وعاد الخطيب إلى عين ذلك البلد لعين ذلك الغرض. وعادت السيدة إليه بالدعوة. وعادت مائدة الشاي وحفلة الشاي لا تزال فى تطواف وتجوال. وحل وترحال. كذلك قالت السيدة فأجاب الخطيب أجل إني لكذلك الطائر ـ وأكمل الجملة بعينها.
ولكن ماذا كان ألمه وضيقه حينما خطر بباله أنه قد قال هذه العبارة بحروفها مرة قبل ذلك! ولا يحسبن القارئ - ولعله قد ألقى في روع السيدة - إن الخطيب قد جعل طول هذه المدة - أي فترة ما بين الزيارتين لا يمر به يوم من الأيام إلا ويذكر تلك الجملة يحلى بها كلامه ويزخرف بها حديثه. كلا. فإنه ما سنح بخاطره ذلك الطائر الجوالة إلى أن أثارت تلك الظروف الخاصة تلك الفكرة الخاصة. ولعله قد كان أخلق به أن يسر ويفخر بدقة حساب ذهنه فإن الذهن المحكم المتين إذا أعطيته عوامل بعينها مرة بعد أخرى لم يعطك إلا نتيجة بعينها شأنه في ذلك شأن المكينة الحسابة ويكون أدني اختلاف في نتيجتها - إذا أعطيتها العوامل بعينها - آية على فسادها.
ما هي آفات الحديث الكبرى؟ قلة المعاني وقلة الألفاظ وقلة الآداب هكذا تقول ويقول الناس وما كنت لأعترض على قولكم هذا ولكنى سأعلمكم أي شيء وجدته أفسد للحديث الصالح من كل ما عداه. وأتلف للسمر الطيب من كل شيء سواه. هذا هو المجادلات الطويلة في نقط خاصة بين أناس يختلفون في المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها هذه النقط.
لا تحمد العلائق ولا تصلح المعاملات بين فئة من الجلساء حتى يتفقوا على أساس من العقيدة لا يكون عرضة لأن تزعزع أركانه رياح المناقشة والمحاورة. وحتى يكون عندهم من العقل ما يمكنهم من تتبع المسائل الثانوية المرتكزة على تلك المبادئ الأساسية إلى مصادرها وأصولها. والكلام كالضرب بالعود ليست الحاجة إلى إسكات الأوتار أحياناً بأقل منها إلى إنطاقها.
أرأيت شيئاً أقدح في كرامتك وأجرح لشعورك وآذى لعزتك من أن يعترض أحد المجلس جدك بمزحته ويستقبل حكمتك بنكتة. السب الصريح والشتم المهين أهون والله من ذلك. وهل ذلك إلا منتهي الاحتقار. والازدراء والاستصغار. للكلام على خطارته. وصاحب