للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في السلم ستمائة ألف مقاتل وكانوا على نظام لو وضعت كتائب (فرسايل) بجانبه أو جنود (سان جيمس) لبدت إزاء جيوشه شرذمة قليلين، ورَب قوة كهذه يرهب جانبه ويخاف بأسه، ويطمع في صداقته، وينتفع من محالفته، وترى فيه الجيران عدواً لا تكسر له حدة، أو حليفاً قيماً غالياً.

ولكن عقل فريدريك غليوم كان مختلاً فانقلبت أمياله غراماً وكان ذلك الغرام نتيجة مرض عقله ونقص أخلاقه.

وأصبح ذلك المقتصد شحيحاً مغلول اليد، وبات حبه أبهة الجيش ووراءه جنوناً، كجنون شيخ البلدة الهولاندي بزهر الخزامى، فبينا أهل بلاط (برلين) في الفاقة يتضورون، وأهل العواصم الأخرى يضحكون من حالهم ويسخرون، وبينما طعام أمراء الأسرة وأميراتها لا يسمن ولا يغني من جوع، بل لتمتنع عنه النفس والنفس طاوية، لم يعز على الملك أن يصرف الأموال الطائلة في جمع الجند الطوال.

وكان غاية الملك أن يؤلف فرقة من الجنود الطوال النجاد فأرسل رسله يبحثون في كل مملكة وينقبون عن طوال رجالها ولم يقصروا البحث على البلاد الغريبة، بل ما ارتفعت على رؤوس الجموع رأس في أسواق حلب والقاهرة وسورات ولا طالت على الهام هناك هامة واستطاع صاحبها أن يفر من أيدي رجال فريدريك ولقد نال (ايرلاندي) تبلغ قامته أكثر من سبعة أقدام التقطه سفير بروسيا في لندن، جائزة مقدارها ألف وثلاثمائة جنيه، وهي تربى بكثير على مرتب السفير نفسه.

ذلك إسراف طائش، وتبذير مجنون فلعل فتي شديد الأسر لامتناه في القصر ولا في الطول بريالات معدودات يكون خيراً من هذا وأحسن عملاً. . . .

وعجيب أن يكون فريدريك غليوم أحب الملوك للمسلم، وأكرههم في الحرب، وهذا مطمعه في القوة الحربية، وهذا عهده المأثور في تاريخ النظام الحربي، وهذا حبه لرواء الحرب.

ونحن نخشى أن كراهيته للحرب لم تكن أثراً من أثار الإنسانية فيه بل إن هي إلا وهم من أوهامه، وخيال من خيالاته. وكان خوفه على جنده خوف البخيل على ماله. هام الملك بجمع الجنود وعدهم وازدياد عددهم ولكن لم يطاوعه قلبه يوماً أن يباغت ذلك القطيع العزيز.