وتارة يصورها لك كما هي في أذهان الجهلاء الواهمين. فيسبق إلى ظنك أن هذه الاشتراكية صنف من الأفيون استورده أئمة الاشتراكية من بكين. فهي كما يقول الدكتور تمثل في ذهن النظري الفرنساوي صورة جنة تساوي الناس فيها فتمتعوا بالسعادة الكاملة في ظل الحكومة. وتمثل للعامل الألماني حانة طبق دخانها وطفق رجال الحكومة يقدمون لكل قادم أطباقاً من لحم الخنزير والكرنب المملح ودناناً من الجعة الخ.
وأما والله لو كانت هذه هي كل الاشتراكية لما عز على الدكتور علاجها فما هو إلا حمل من النشادر يحتسبه على نفقة أحد المرابين أهل الخير - والمرابون كلهم يشفقون على الناس من سكر الاشتراكية_ثم يسعطه أولئك المساكين فيفيقون من ذلك الخدر العميق_ولكن هذه الأحلام ليست الأشق الاشتراكية الذي قد يلوح لبعض السذج من العامة ويبقى منها بعد ذلك مبادئها العملية وقواعدها وهي للأسف لا تدحض بالسفسطة ولا تنقض بالتعوذ والحوقلة لأنها مذهب مست إليه الحاجة وشعر به الناس قبل أن يعلنه الفلاسفة وأهل النظر. ولا سيما إذا كان بطلان مذهب الاشتراكية سر الدنيا لا يعرفه إلا علماء النفس الواقفون على أحوال الحياة وكانت الأدلة التي تقنع به لا تأتي من طريق العقل.
الاشتراكية التي يراها الدكتور آفة الأمم ومباءة الفناء والاضمحلال هي رجاء الإنسانية ومعقد آمالها في التعمير والبقاء.
ليست اشتراكية اليوم أسطورة من الأساطير. ولا هي وعد خيالي يبشر الناس بالتعادل في الأقدار والتشاكل في المنازل والأرزاق. كلا فليست المساواة بين الناس من همها ولكنها إنما تدعو إلى المساواة بين الأجر والعمل وتطلب أن يعطى كل عامل ما يستحقه بعمله، وأن ينتفع المجموع بأكبر ما يمكن الانتفاع به من قوى الأفراد.
إن كانت الدنيا قد حم أجلها وكارب يومها لأن جائعاً يريد أن يشبع، ومنهوكاً يتمنى أن يستريح، ومظلوماً يود لو ينتصف، فلشد ما هزلت هذه الدنيا ونحف مزاجها بعد أن احتملت في ماضي العصور طغيان الجبابرة وبطر النبلاء، ووطأة الدعاة والدجالين.
ومن العجيب أن الدكتور لا يستقبح من أنظمتنا الحاضرة شيئاً إلا كان دواؤه في الاشتراكية. فإذا أراد استنباط الدواء من غير هذا المذهب وقع في التضارب والحيرة.
فاقرأ رأيه وهو يصف الدواء لنهوض الأمم المائلة إلى السقوط ويحيلها إلى النظام الجندي