للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وليست الاشتراكية سبباً في هذا الاضمحلال الذي يعتور الجيل الحالي من جوانبه الرئيسية. ولا هي من أعراض ذلك الداء التي لا تتخلف عنه. ولكنها حال تلازمه في بعض الأحيان وتظهر معه كما تظهر رغبة النجاة في الغريق عند الغرق.

فما هي من مصطنعات هذا الجيل ولكنها قديمة وجدت في كل مكان يحرم فيه العامل ويغنم العاطل. إلا أن هذا العصر قد ترقى في فهمها وتوسع في تطبيقها تبعاً للرقي الشامل لكل مرافق الحياة.

كانت الأمم الغازية تفتتح البلاد فيستأثر قواد الجيش الفاتح وجنوده بأطيب الأرزاق ويميزون أنفسهم عن سائر الأمة بمزايا يحرسونها بالقوة ويذودون عنا بالسلاح. ثم تؤل هذه المزايا بالوراثة إلى أعقابهم فتصير حقوقاً ثابتة. ويجنح هؤلاء الأعقاب إلى الدعة والكسل جيلاً بعد جيل فيجنون ثمرة ما لا يزرعون، ويجشمون غيرهم مشقة السعي وهم نائمون. وتفسدهم البطالة فيتمادون في اللهو والخلاعة ويتهالكون على المجون واللذة. ولا يزالون ذلك دأبهم حتى يضجر الناس منهم ويحنقوا عليهم، فتنقض عليهم في هذه الآونة جارة ترقب غفلتهم. فلا تصادف فيهم الأسراة لاهين ورعة ساخطين.

كذلك ثار أرقاء الرومان على سادتهم، وكذلك ثار الفرنسويون على نبلائهم فقال المؤرخون عن الأولى عبيد تمردوا، وقالوا عن الثانية سوقة عربدوا - وما هي إلا الاشتراكية تبدو وتخفى في تاريخ الناس من حين إلى حين _.

لسنا نحن في عصر يتحكم فيه سادة على عبيد، أو يستبد فيه شرفاء على سوقة. ولكن المسألة ظهرت في طور جديد. ظهرت بين أصحاب الأموال وطوائف العمال.

أخرج العلم تلك الآلات الضخمة، فأصبح كل صاحب معمل يتمتع بتعب الألوف من الصناع الذين يستخدمهم في معمله. فكان التعب والحرمان من نصيب فريق والراحة والربح من نصيب الفريق الأقل. فتجددت الشكوى القديمة. وعادت الاشتراكية في هذا الثوب العصري. وقد عادت مرافقة لعهد الاضمحلال أيضاً. ولكنها ستكون في هذه المرة أطول منه عمراً.

لأننا اليوم في مأمن من غارات القرون الأولى. ولأن العلم والنظام قد أصبحا ملكاً للإنسانية عامة وليسا من خواص أمة يذهبان بذهابها.