للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طبيعة الأرض التي يسكنها ومقدار أو قيمة ما تنتجه عفواً بلا عمل منه ولا نصب.

والآن ننتقل إلى مسألة أخرى ليست أقل أهمية مما سلف وهو توزيع الثروة بعد جمعها أو بعبارة أخرى ماذا يكون نصيب الطبقة العليا من الثروة وماذا يكون حظ الطبقة الدنيا. أما في الشعوب التي بلغت في الحضارة مبلغاً فذلك يترتب على عدة أمور دقيقة عويصة لا محل لها في هذه الصحائف وأما في الطور الأول من حضارة الأمة قبل أن تنشأ فيها المعضلات والمشكلات فتوزيع الثروة كجمعها يكون طبقاً لقوانين طبيعية. ثم هذه القوانين الطبيعية من القوة والسلطان بحيث قد قضت بالفقر المدقع وقيدت بسلاسل الفاقة السواد الأعظم من سكان أطيب بقاع الأرض فإذا أمكنا إثبات ذلك ظهر لنا مبلغ ما لهذه القوانين الطبيعية من الحضارة. لأنه ما دام قد ثبت لنا أن الثروة منبع من منابع السلطة فإن البحث في كيفية توزيع الثروة هو بمعنى البحث في كيفية توزيع السلطة فلا جرم أن يكون في ذلك البحث شرح وإيضاح لمنشأ تلك الفروق الاجتماعية والسياسية التي ما زال لها دخل عظيم في تاريخ كل أمة ذات مدنية. ولنذكر الآن ما هي تلك القوانين الطبيعية التي بناء عليها يكون توزيع الثروة بين الطبقتين العليا والدنيا أو طبقة العمال وطبقة المدبرين والساسة - الفئة العديدة والفئة القادرة.

بما أن الأجور هي أثمان العمل فمقدارها كثمن أي بضاعة يختلف باختلاف أحوال السوق. فإذا زاد عدد العمال عن الحاجة هبطت الأجور وإذا قلّ عدد العمال عن الحاجة ارتفعت الأجور. فإذا كان في بلد من مبلغ من الثروة ليقسم بين العمال وأرباب الأعمال فإن كل زيادة تنشأ في عدد العمال تقلل متوسط الأجر الذي يناله كل واحد منهم. فمسألة الأجور إذن هي مسألة تتعلق بعدد السكان. ونحن الآن نريد أن نعرف ما هي تلك الأسباب الطبيعية التي تحدث زيادة في سكان البلد فتسبب بذلك نقصان الأجور.

فأهم هذه الأسباب وأفعلها وأقواها وأكثرها انتشاراً هو أمر الغذاء. فإذا كان هناك بلدان متحدان في كل شيء إلا الغذاء - فالذي يكون الغذاء فيه رخيصاً وافراً يكون أملأ بازدياد السكان من الذي ترى الغذاء فيه أقل وأغلى. وبناء على ذلك ترى الأجور في البلد الأول أنقص منها في الثاني. فليس أمامنا الآن أهم من البحث في أمر القوانين الطبيعية لتي عليها تترتب الأغذية في البلاد المختلفة. وهذا لحسن الحظ مبحث قد أصبح بفضل ما وصلت