للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يوم تكون فيه تلك اللغة الفصحى ضرباً من اللغات الأثرية في كتابها الكريم لأننا لا ننظر فيما نترخص فيه الآن من كلمات معدودة صدرت بها قرارات الأمة أن لا تزال على وجه الدهر عامية ولكنا ننظر إلى الأصل في قاعدة التسامح والترخيص فإذا ثبتناه وأخذ به غيرنا ولم يكن عندنا لذلك نكير فما أشبهها أن تكون كالقاعدة الاستعمارية التي تبتدئ بالتسامح للمستعمرة والغزاة في أخذ الشيء القليل ثم تنتهي بالتسامح في كل شيء.

ونحن فإن كنا نفهم رأياً من هذه الآراء الحاضرة فإننا لا نفهم كيف يكون إحياء العربية باستعمال العامية وكيف نرضي لغة القرآن التي تأبى إلا أن تتقيد بها اللهجات الأخرى كما محت من قبل لغات العرب جميعها على فصاحتها وقوة الفطرة في أهلها وردتها إلى لغة واحدة هي القرشية ثم نرضى من جهة أخرى هذه اللهجات العامية التي تأبى أن تتقيد بشيء وهي أبدا دائمة التغير بالأسباب المختلفة التي تؤثر فيها وتديرها في الألسنة حتى صارت في بعض قرى مصر كأنها مالطية (متمصرة) وصار بعض هذه القرى لا يفهم عن بعض. وإذا حاولنا مذهب الإصلاح العامي فليت شعري من أي لهجة نأخذ وأي لهجة في مصر هي غير مصرية فننبذها. وإذا ابتغينا بهذا الإصلاح استدراج العامة ليتابعوا الكتاب والخطباء فيما يكتبون ويخطبون فهل يتابعونهم على العامي وحده حين يُنزَّل في الفصيح إذ يستمرؤنه ويسيغونه حتى إذا عرض لهم الفصيح خالصاً أنكروه وغُضّوا به أم تكون المتابعة على العامي والفصيح جميعاً. إذا جاز على القوم أن يتابعوا الكتاب والخطباء على الفصيح الممزوج بالعامي فلم لا يكون ذلك إذا كان الفصيح خالصاً مأنوساً وكانت القرائن قائمة على ما فيه من جديد أو غريب وكانت ألفاظه لا تبرأ من معانيه ولا هذه تشق على تلك؟

نحن لا نماري في وجوب الإصلاح اللغوي ووجوب أن يكون للغة في هذه النهضة مجمع يحوطها ويصنع لها ولو على الأقل كمصلحة الكنس والرش. . . ولا نقول أن هذه العربية كاملة في مفرداتها ولا أنه ليس لنا أن نتصرف فيها تصرف أهلها فإن من يذهب إلى ذلك لا يعدو باللغة وسيلة من وسائل العيش وأداة من أدواة الاجتماع الفطري. وليت شعري ما يصنع أولئك إذا صارت العربية لغة العلوم والفنون الحديثة وجاؤا إلى طائفة واحدة من الحشرات يقسمها العلماء إلى عشرين ألف ضرب اعتبروا في وضع أسمائها تباين ما بينها