والغالين فيه، والمكابرين عليه، إنما يدعون به الإصلاح ويذهبون إلى أنه خير ما ينتهي إليه الصواب من رأي، وخير ما يمكن لهم في جانب تلك الغاية، فإنهم زعموا يريدون الإصلاح من أقرب السبيل، ويطلبون الحاجة الراهنة، والمنفعة الدانية، وقد رأوا سواد الأمة عامياً، فلا بأس أن يكون من هذا السواد ظل في اللغة أو على اللغة أو قريباً من اللغة. وفاتهم أن من دون هذه السبيل سبيلاً أخرى هي أقرب في منحاهم، وأدنى إلى غايتهم، لو كانوا يرمون إلى تعليم الأمة وإلى الغاية من هذا التعليم. فإن الزمن الذي تعرب فيه الكتب أو تمصر ثم تطبع وتنشر، ثم تقرأ وتدرس، لا يذهب باطلاً إذا هو ذهب في تعليم لغة أجنبية من لغات العلوم، ثم إلقاء هذه العلوم بها. ويكون من ذلك أن الأمة تستفيد العلوم والفنون محققة وتربح معها فضلاً كبيراً. إذ تربح لغة برمتها وتجمع إليها آدابها وفوائدها. وهذا مالا يتيسر بعضه إذا مصرنا لها العربية لتلك الغاية التي زعموا، وما يطلبون بها من الكفاية والإصلاح.
وقد أخذت بهذا الرأي جمهورية الصين الحديثة فإنها فرضت اللغة الانكليزية على كل من يطلب علماً أو صناعة حرصاً على الوقت أن تضيع به الترجمة والطبع والدرس، وتفادياً مما تدخله الترجمة على مصطلحات العلوم والفنون من الضيم في الشرح والتعيين وتحديد الدلالة ونحوها مما ليس منه بد في النقل بين اللغات المتباينة لغة إلى لغة.
على أنه إن يكن في رأي التمصير خير فليس يقوم خيره بشؤمه. وهب أن أمراً من ذلك كائن. وأننا أجرينا التراكيب العامية في الفصيح، وأقحمنا مفردات القوم في اللغة، ومكنا للعامة على ما يتوهمون من مقاليد الكلام وأتبعناه مقادتهم، فما جداء ذلك عنهم، وماذا يرد على الأمة! ونحن نعلم أن جمهورها إذا احتاجوا إلى الكتب في العلم فإنما هي كتب ألف باء تاء. . . . قبل كتب المصطلحات العلمية والفنية. وأنه لعجيب أن نبدأ بالتربية من آخرها وأن نجيء إلى حال من الضعف فنتوهم فيها القوة، ثم نمضي على ما نخيل نعتده حقاً فنقرر الأحكام، ونؤصل الأصول، ونقابل شيئاً بشيء، ونستخرج حالاً من حال. وليس لنا مما قبل ذلك جميعه إلا أنه ظن توهمناه يقيناً، وفرض حسبناه قياساً. وإلا أنها العامية جعلنا نسومها ما ليس في طبيعتها، وحسبناها أصلاً بائناً بنفسه متميزاً من سواه بالصفات التي تجعل الأصل أصلاً وتنفيه من صفات فروعه. مع أن أصل هذه العامية لا يزال في