للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ألسنتنا وأقلامنا. ولا نبرح نردها إليه، ونحكمها به، ونقيمها على طريقه. ومع أن هذه العامية لا تصلح في تراكيبها وصيغها للكتابة ما لم تفصّح على وجه من الوجوه. وهي بعد لا وزن لها في كل ما ابتعدت به عن الفصيح. إلا في عبارات قليلة مما يكون أكبر حسنه أنه أخرج على نسق معروف في البلاغة العربية. كضروب المجاز والكناية وما إلى ذلك. فإذا هي نافرت الفصيح لفظاً أو نسقاً، فلست واجداً فيها إلا أطلالاً من كلمات عربية يأباها من يعرفها صحيحة ماثلة، ويعدها من النقص من يقيمها سوية كاملة. وكيفما أدرتها لا تعرف لها إلا رقة الشأن وسقوط المنزلة بإزاء أصلها الفصيح الذي خرجت منه، ولا تزال فيها مادته. فما اختلافنا في لغة هي في طبيعتها اللغوية تأبى أن تكون أصلاً، وأن تعد لغة، ومهما جهدت بها لا تتحول إلا إلى أصلها المعروف المتميز. فإذا أريدت على غير ذلك التاثت واضطربت، وفرت إلى الأسواق والسبل؟

فإن عارضنا القوم بأنهم يريدون تقريب الفصيح من العامة لا من العامية ليسهل عليهم أن يتأدبوا وأن يتعلموا، قلنا ذلك وجه، وسبيله غير ما يقولون به من تمصير هذا الفصيح العربي. فإن لهم مندوحة في طريق مختلفة يفصحون بها العامية نفسها بردها إلى أصولها القريبة، على نحو ما كانت عليه أيام الأمويين والعباسيين. فأني لأحسب أن العامي من أهل ذلك الزمن لو بُعِث اليوم لرأى أكثر أساليبنا الفصيحة دون عاميته. وقد كنا بسطنا جانباً من القول في مقالتينا اللتين نشرتا في (البيان) عن الرأي العامي في العربية الفصحى، والجنسية العربية في القرآن وأبنا ثمت فساد الرأي في إحالة الفصحى عن وجهها فلا نعيد شيئاً مما بسطناه. وإنما نرسل كلمة في تحقيق استحالة هذا الرأي، وأن القائلين به مهما عملوا فإنهم لا يعدون أن يجتذبوا إليهم طائفة من ضعاف شبابنا المتفرجين يناصرونهم بما تعده الأمة خذلاناً، ويزيدون فيهم بما لا تشعر به الأمة زيادة أو نقصاً. وذلك أنهم يغفلون عن الروح الدينية التي عليها ينشأ المسلمون - أهل هذه العربية_في جهات الأرض، وأن هذه الروح قائمة على نفي العصبية الوطنية كالمصرية وغيرها. فقد كان هذه العصبية عامة في قبائل العرب حتى محاها الإسلام. فأنزل الله سكينته على رسوله والمؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وجعلهم أخوة. ثم نفاها النبي صلى الله عليه وسلم. زنفى المؤمنين منها بقوله ليس منا من دعا إلى عصبية الحديث. وما عصبية قبيلة وقبيلة في المعنى إلا