للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأسماع. ويسترجف الأضلاع. ويستثير الأدواء، ويستطير الأحشاء. هذا البلبل الشجي، والطائر المحكي. هو مثل أمير الشعراء، وسيد الفصحاء. أحمد بك شوقي.

لقد طالما قلت في نفسي ماذا كانت تكون حالنا إذا لم يكن بيننا أمثال شوقي. ماذا كانت تكون حالنا وسط أولئك الوزانين الرصاصين الذين يصنعون أشعارهم بالأيدي والبراجل،_أولئك الصخابين الذين يسمعوننا بدل الألحان والانغام، قرع المطارق فوق السناديل، وقد حولوا غابة الشعر (روشة) بل ماذا كانت تكون آذاننا إذ ذاك إلا آفات لنا_أبوابنا تطرقنا منها صيحات تلك المطارق وضجات هاتيك السناديل. بئس مسالك الشر ومناهج العذاب!

لولا أمثال شوقي لكانت مصر بلدة خرساء غير ذات لسان يعبر عن وجدانها ومقول يبسط مطوى إحساساتها. ولكن شوقي هو ترجمان هذا الجيل وبوقه، وهو مزهر تبعث منه الطبيعة رناتها. وتخرج الإنسانية منه أناتها.

ولولا شوقي لاستحيينا أن ننتسب إلى آبائنا من العرب، وكيف ولا صلة لدينا ولا نسب. ولكنه السبب الذي به نمت إليهم، والآصرة التي تربطنا بهم على تقادم العهد وتطاول الأمد. أجل أنه منذ انحطاط آداب العرب بانحطاط دولتهم لم ينهض بدولة الأدب إلا شوقي. ومنذ أفول شعر العرب بأفوال سلطانهم لم يلح بأفق القريض إلا شوقي. فهو مسلم هذا العصر ونواسيه. وحبيب هذا الوقت وبحتريه. تبصر في شعره جزالة الجاهليين ورقة المولدين ورشاقة الأندلسيين وعذوبة العباسيين. ويلذك من ديوانه اعتذارات النابغة وأماديح زهير وافتخارات الفرزدق وزهديات أبي القاسم وغزليات الوليد ومراثي الطائي وأوصاف ابن المعتز وبدائع ابن الرومي.

وزاد شوقي على ذلك الشيء الذي هو أول شرائط الشاعر الحق وألزم لزومياته، والذي لولاه لا يكون شاعراً، أعني التعبير عن روح عصره وبذلك يعرف فق ما بين الشاعر الفطري الذي يعبر به العصر عن معانيه، ويكشف به الوقت عن مغازيه. فيكون مرآة العصر وصدى الجيل. وبين الوزان المقلد، الذي لا يجيء بشيء من عنده وإنما يردد أقوال الماضين مع المسخ والتشويه، ويسرق معاني الغابرين مع الطلاء والتمويه.

ولقد طالما شق علينا أن نرى العلوم تدرس بالمدارس والكتب تفسر ثم لا نرى بينها ديوان