شوقي. وأن نلقي الناس يخرجون للسياحة في الأقطار الغريبة ذات المناظر الشائقة ولا يصنعون سياحة في ديوان شوقي. وأن نجد للأهرام والهياكل والأبراج القديمة وسائر عجائب الكون ونوادر العالم شرّاحاً ومفسرين، ولا نجد ذلك لديوان شوقي. وإن ديوانه لأعجب من كل هذه وأبدع، وأغرب من كل هاته وأروع. وأحق بالدرس والمذاكرة، والبحث والمناظرة.
ونحن فقد رأينا أنه ليس من الحكمة أن نقضي الوقت بالأسف على تقصير القوم في حق العظماء، فإن الأسف ضرب من التقصير. وإنما الحزم أن نعمل نحن ما لا يدعو إلى الأسف فنهضنا لهذا العمل الجليل، ونحن نسأل الله القدرة عليه. وأخذنا له أهبه ورأينا من الواجب قبل تناول ديوان شاعرنا الكبير أن نقول كلمة في ماهية الشعر والشاعر لكاتب غربي كبير.
قال ذلك الكاتب: الشاعر هو الفصيح المفوه بين قوم بكم، أو الوصيّ بين أحداث. يعبر عما في صدور الخرس، أو ينفق على الصبيان من ميراثهم فأني أرى سواد الناس صبياناً لم يستولوا بعد على تراثهم (أعني محاسن الخليقة وجمال العالم) أو خرساً لا يستطيعون نقل ما يجري من الأحاديث بينهم وبين الطبيعة. وأنه ليس من إنسان إلا وهو يشعر أن للشمس والنجوم والماء والتراب فائدة روحانية - فائدة خلاف الظاهر من فوائدها. وإنها تتأهب لتؤدي له خدمة خاصة. ولكن في طباعنا من الظلمة والكثافة ما يحول دون اجتناء كل الثمرة المنتظرة. وأثر هذه الكائنات في نفوسنا أضعف من أن يهيجنا إلى حدّ الشاعرية وأوهن من أن يفجر على ألسنتنا ينبوع القريض. وكان الواجب أن تعرونا لكل لمسة من الطبيعة هزة، ولكل نغمة منها رجفة ورجة. وكان الواجب أن نكون من حدة الجنان وحدة اللسان بحيث يمكننا التعبير عن كل ما وقع لنا من الطبيعة وجرى. ولكن رنات موسيقى الطبيعة تبلغ الحواس ولا تصل إلى الصميم، وليس دون بلوغها الصميم ما يستردّها لفظاً ويستعيدها كلاماً. فالشاعر هو الرجل الصافي الطبع الذي يرى ويلمس من بدائع الوجود ما يحلم به الغير. فهو معلم القوم وخطيبهم لأنه أشدّهم أخذاً وإلقاءً، وأكثرهم تناولاً وإعطاءً.
ليس في الدهر حادث أعظم من ظهور شاعر، وليس في الدهر حادث أندر من ظهور شاعر. وكأن بابن أدم يترقب طلوع امرئ يكشف له قناع الحقيقة، ويركزه على أساس