على علم الدخيل فيها. لزمه أن يكون في ناديه أدباء باريس وكتابها، ويخطر في جنابه أعيان الآداب وأعلامها، ويمرح في ندوته فحولها وساداتها، ينبهونه إلى ضعف التأليف الفاشي في كتاباته، والأبيات المتهدمة والقوافي العاثرة والأناشيد الضالة الخاطئة، التي تحيرت في نظيمه، وغلبت في قريضه.
ولو كانت له روح شعرية - وكان منها عاطلاً جد العطل_لمنعته حاجته إلى اللغات وضعفه أن يكون شاعراً فحلاً يروح الناس بأشعاره ويغدون.
ولا نذكر أن فريدة من فرائد الخيال أو عقيلة من عقائله لم يكتبها كاتبها إلا بلغة حفظها ووعي دخيلتها أو تكلم بها في سهولة تامة وبيان نطق قبل أن يعلم مبانيها ويعرف أسرارها ومناحيها.
لقد نظم بعض نوابغ الرومان وسادة كتابهم أشعاراً وقصائد باليونانية، فكم من تلك القصائد يستحق الخلود والبقاء؟ وعمل أهل المواهب السامية والألباب الكبيرة في العصور الحديثة أشعاراً لاتينية، ولكن ليس في تلك القصائد والأشعار، حتى ولا في تلك التي نسج (ملتون) بردتها، ووشى حواشيها، ما يصح أن يعد في المرتبة الأولى من الصنعة، أو يكون في رأس الطبقة الثانية وطليعتها.
فلا غرابة إذن إن لم نجد في أبيات فردريك وقصائده الفرنسية ما يعلو على شعر (نيوديجيت) طبقة ومظهراً، أو يفوق نصيب أي امرئ أوتي صنعة وكفاءة لا بأس بهما.
ولعل أحسن مقطعاته وأبدع أبياته، تعادل أسوأ ما نظم (دورلى) وجمع في منتخباته.
ما في التاريخ فكان نجاحه أبهر، وخيبته أقل، ونحن لا نكاد نجد في أي مكان من مذكراته الضخمة، خاطراً بعيد الغور، أو نقع على فكر رائع، ورأي ثاقب، أو نلقي وصفاً حياً وتصويراً خفاقاً مترقرقاً تتحير الحياة في أثنائه وتجري الروح في خلاله.
على أن الكتاب ممتاز بوضوحه وإيجازه، ومعانيه، ولهجة صدق وسذاجة هي أروع ما تشهد في رجل جلس إلى دواته يقص أفعالاً جسيمة قضاها ويروي للناس أحاديث أعماله العظيمة.
وجملة القول ليس فيما جرى به قلمه أجمل من رسائله أو أظهر حسناً لا سيما تلك التي أنشأها بجد لم يوشها بشعر ولا زركش حفا فيها بقريض.