للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولا غرو أن رأيت شاباً حدثاً تفرد للأدب وتفرغ، وقصر اطلاعه على الأدب الفرنسي وسكن إليه وحده أن ينظر إلى نبوغ (فولتير) نظر الموقر المتعبد، بل ليس من العدل أن يلام على عاطفته أو يؤنب على حبه.

يقول كالدرون في إحدى (كوميدياته) الفاتنات إن رجلاً لم يشهد الشمس ووضحها، لا يلام إذا حسب أن القمر لا يداني فخره فخر، ولا يبز ضياء ضياءه، بل أن امرءاً لم ير الشمس ولا القمر لا يعذل أن تحدث بضوء نجمة الصبح ونورها الذي لا يبرزه نور.

ولو استطاع فردريك أن يقرأ هوميروس وملتون أو فرجيل وتاسو، لعلم أن إعجابه بالهنريات دليل على فساد ذوقه وجهله الأكبر بخالص الصناعة الشعرية وبهرجها، وحسنها وزيفها.

ولو اطلع شكسبير وسوفو كليس لترقبنا منه في رواية (زير) حكماً عدلاً ومقدراً منصفاً.

ولو أمكنه أن يدرس تاريخ (ثيوسيديد) و (تاسيتاس)، لعلم أن للفصاحة تلعات، وللبيان رامات وذروات، تقصر دونها مقدرة صاحب تاريخ (حياة شارل الثاني عشر) وتعز عليه وتطول.

ولكن خير ما قرأ م شعر حماسي ووعى من مآس موجعة فاجعات وتاريخ عليه غلالة الحسن وروعة الجمال هو ما خطه يراع فولتير.

ولقد شغفت الأمير الشاب حباً تلك المآثر، وتيمته المحاسن وكاد يروح لها عابداً.

ولم تكن آراء فولتير في الدين ومسائله الفلسفية قد نشرت للناس بعد وبسطت للجمهور.

فلما نفي من وطنه وأنشب على الكنيسة حرباً قلمية صرح بها للناس وأذاع. ولما كان فردريك يسكن رينسبورغ كان فولتير لا يزال في حاشية الملك وبطانته. ولئن لم يستطع أن يمنع روحه الفياضة ويعصي هوى ذكائه، وينشر بعد ما يخرجه من فرسايل ويطرده من جناب مليكه، فقد نشر شيئاً قليلاً لا يجد فيه لذة رجل ديني أخذ عن (جروتياس) و (تلستون).

وتري التقوى المسيحية تتمثل في هنرياته وتتجلى في روايتي (زير) و (ألزير) بأرق مظاهرها وخير أنواعها ولقد تنزل بعد سنين من الزمان الذي نحن في صدده أحد الباباوات فقبل إهداء روايته في (محمد).