إن الشعراء يمثلون الحب كما يمثل المصورون الجمال، كما يبتدع الموسيقيون أصوات الغناء، كما يختلقون الأنغام والألحان.
إن لهم أمزجة عصبية، وطبائع رقيقة شفافة، فهم لذلك يمثلون أطهر عناصر الحياة، ويرسمون في صنعة التصوير أفتن معالم الحسن، وأزهى صفحات الجمال، ويصدحون بأحلى نغم الطبيعة وأعذب نشائد الكون.
قالوا كان في أثينة ترب من الفتيات الحسان فرسمهن (بركستيل) جميعاً واحدة في أثر واحدة، فلما أتم تصوير مختلف حسنهن، وعلم من صورهن عيوبهن، مزج بديع الحسن برائع الجمال، وجعلها في صورة واحدة، كانت هي صورة الزهرة آلهة الجمال.
وأن أول رجل صنع آلة للموسيقى، وجعل لصنعة الغناء قواعد، ووضع للألحان قوانين، كان من قبل يستمع لخرير الجدول، وينصت لسجعات البلبل، وكذلك الشعراء، علماء الحياة، شهدوا غراماً طال وغراماً مضى، ورأوا حباً عاش وحباً قضى، وأحسوا في أعماق قلوبهم، وحرارة مشاعرهم السامية، أن عاطفة الهوى تثور في الفؤاد يوماً وتسكن، وتعلو في جنبات القلب حيناً وتهن، وترهف من طبيعة الإنسان تلك العناصر التي تحط من قدرها، وتنزل بها من كل مكان، ولذلك ابتدعوا هذه الأسماء الغريبة، التي تنتقل من عصر إلى عصر، وترتحل من زمان إلى زمان، وهي في أفواه الرجال، وعلى شفاه المحبين تلكم الأسماء: دافنيس وشلو، وهيرو ولاندر وبيرام وتسبا.
وأنت إن أردت أن تبحث في حياتنا الدنيا عن هوى أبدي مطلق كنت كالباحث في بيوت البغايا عن حسان كالزهر فاتنات، أو المتطلب من البلبل أن يغني مقطعات (بتهوفن) ويصدح بأناشيده المستعذبات.
لا كمال في الدنيا، وإن اعتقاد ذلك انتصار للذكاء الإنساني، ومجد للعقل الآدمي، وما تطلب الكمال إلا شر الجنون، وما رغبه إلا أخطر الحمق.
افتح نافذتك وانظر هل ترى بعينك اللانهاية، ألا تشعر بأن السموات لا حدود لها ولا أطراف، وهل يحدثك بذلك قلبك، وهل أنت للانهاية مدرك؟ إنك تذهب في أمر لا نهاية له، أنت المولود بالأمس والميت غداً.
والناس من روعة الكون في جنون، ومن روعة الكون نشأ الدين، بل أن رغبة امتلاك