للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللانهاية هي التي جعلت (كاتو) ينحر رقبته، وهي التي حرضت المسيحيين على تسليم أنفسهم إلى الأسد تنهشهم، وهي التي ألقت البروتستانت إلى الكاثوليك يسومونهم سوء العذاب.

كل شعوب الأرض تمد للكون أكفها وتثب له وثبتها، والأحمق يريد أن يمتلك السماء، وأما العاقل فيعجب بها، ويجلو عينه في كبدها، ويركع من رهب لها، ولا يفكر في طلبها.

الكمال أيها الصديق، لم يخلق لنا نحن الناس، فلا ينبغي أن نطلبه في شيء، أو نبحث عنه في حب أو جمال أو سعادة أو فضيلة، بل حسبنا أننا نحب الكمال لنكون ما استطعنا قوماً أخياراً حساناً سعداء.

هب لديك في حجرتك صورة لرفائيل، ترى فيها كمال الصنعة ودقة التصوير، وجئت تتطلع إليها ليلة الأمس فاكتشفت فيها عيباً كبيراً كأن رأيت مثلاً عضواً مكسوراً أو عضلاً ناتئاً دون طبيعته، إذن لشد ما يروح حزنك، ويا عظم ما يكون أسفك، على أن نفسك لا تسول لك أن ترمي في النار بصورتك، بل تقول أن الصورة ليست كاملة في صنعة التصوير، ولكن هناك رسوماً وصوراً غيرها تستحق الاستحسان والإعجاب.

وهناك نساء يأبى عليهن كرم طباعهن، وتمنعهن صداقة قلوبهن أن يكون لهن عاشقان في وقت معاً، وأنت كان عهدك بخليلتك منهن ولا لوم في الحقيقة عليم ولا عتب، ثم بدا لك أنها تخدعك وتغرر بك، فهل يؤدي بك ذلك إلى احتقارها والإساءة إليها، واعتقادك أنها تستحق كراهيتك ونقمتك.

ألا هبها كانت تهواك دون سواك فما أبعد ما بين حبها وبين الكمال، حب إنساني تافه، يتبع سنة نفاق العالم وأخاديعه.

وأذكر أنها كانت متاعاً لرجل أو رجال قبلك، وستكون من بعدك في حوزة رجال آخرين، وأن الذي يرمي بك في أحضان الأسى، تطلبك الكمال في خليلتك، فلما رابك من أمرها ما رابك، أنزلتها عن مكانها الأول من فؤادك، ولو علمت أن رأيك في الكمال رأي إنساني حقير، لرأيت أنها ليست إلا درجة واحدة من ذلك السلم الكبير الذي أفسده النقص الإنساني.

ألست ترى أن خليلتك كان لها من قبل عشاق وأحباب، وسيكون لها من بعد متحببون وأصحاب، وأنت لا ريب تقول أن معرفة هذه الحقيقة لا تهمك ما دامت تصبو إليك ولا