للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واجب المرء نحو الله

وهل لله حق على الإنسان؟

وهل من حقوق الله أن نؤمن به ونسلم بوجوده؟

ليست العقيدة كرهاً لأنها خارجة عن إرادة المرء فليس في وسع الإنسان أن يحمل نفسه رغماً منها على التصديق بدعوى يعلم باطلها أو يرغم شعوره على إنكار حقيقة أقتنع بصدقها أو يكره عقله على تصديق ما لم يكن مصدقاً، ومن ذا الذي يستطيع أن ينتزع من مخيلته صورة شيء ماثل أمام عينيه يلمسه ويراه، ولكن لا يجوز له أن يعارض في الحق أو ينصر الباطل أو يرضى بحجة لا يرى سدادها، وإنما الجائز له أن يبحث دون غضب أو تحيز.

لا إكراه في الدين، وإنما الإكراه على حسن النية، ولقد يدعي المتدينون أن إخلاص النية يؤدي حتماً إلى الأيمان ولكن من لم يهده نور الإنجيل فلا هادي له من نفسه وإن من استرشد بتعاليم المسيح فلن يضل السبيل إلا إذا استبدت به شهواته وميوله الفاسدة.

لا ننكر عليهم أن كثيرين من الملحدين ساقهم إلى الإلحاد أسباب غير شريفة ولا وجيهة وإن الطفل الذي يتربى في أحضان الدين يضن بعقائده الساذجة عن أن تعرض إلى المناقشة والبحث حتى إذا ثارت شهواته وتيقظت مداركه شرع يبحث في عقيدته وأخذ في نقدها وتحليلها وفك قيودها وأغلالها وقل ما يكون عادلاً أو دقيقاً ولا يكاد يفسد أيمانه حتى تنهار أخلاقه وتسقط آدابه وكذلك كل بناء يرتكز على أساس غير متين لا يلبث أن ينهار لا محالة.

ما أضعف التربية المرتكزة على الدين المحض وما أشد خطرها على الأخلاق بل ما أبلغ ضررها على الدين نفسه فإن فكرة الناشئ في التخلص من عقيدته والخروج عليها تحدث غالباً من ميل فيه إلى التخلص من الآداب والأخلاق.

وإذا نبذ الشاب الحدث معتقداته الدينية خفة منه وتسرعاً فإن الرجل الناضج قادر على نقدها واختبارها دون ميل أو تحيز ولا يسعنا أن ننكر عليه رزانة فكره وسداد رأيه أو أن ننسب عجزه عن مقاومة شكوكه إلى نقص في صدقه وأمانته فإن العقيدة هي التي تنقصها الأمانة في البحث.