للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أليس من الأمانة أن يتنزه المرء عن الأغراض ولا يضع نصب عينيه نتيجة معلومة له من قبل يروم الوصول إليها ويتطلب كل دليل يقوم على صحتها وما العقيدة إلا دعوى مسلم من قبل بصدقها أو تحيز إلى طرف مخصوص.

وحب المتعصب دينه أكثر من حبه الحقيقة فلا يعرض دينه لخطر المناقشة ويعمل جهده على الابتعاد عن الجدل ويحرم قراءة بعض الكتب ويحكم على مناظره بأنه عدو للدين لدود فكأني به غير متثبت من يقينه أو لا يريد الإقرار بهزيمته وضعفه.

إن المعرفة شيء والاعتقاد شيء أخر ولا جامعة بين العلم والدين فكل بمعزل عن الأخر إذ الدين عبارة عن التشبث بأمر لم يقم الدليل على صحته.

إن وجد المرء عقيدة أفضل من عقيدته فإخلاصه يقضي عليه بالخروج عن عقيدته واعتناق الأخرى وأن يشك فيما هو موضع للشك وأن يقول لا أدري فيما لا يدري.

أجل إن من المتدينين من ليس مقلداً ولا متبعاً أسلافه إتباعاً أعمى وإنما آمن بدينه لاقتناعه بصحته ونهوض الدليل لديه على صدقه غير أن اليقين المطلق الذي لا يقبل نقضاً ولا شكاً غير موجود إلا في بعض نظريات رياضة وفيما عدا ذلك فكل م نعلمه ونعرفه معتمد على أساس من الريب والظنون وقد أرجع سبينوزا أسباب الاقتناع إلى أمرين فالأول أن يدرك الذهن بنور ذكائه متانة البرهان فيذعن له والثاني أن يعمى المرء لجهله أو لغباوته عن ركاكة الدليل وأوجه الطعن فيه فلا يرى بداً من التسليم.

فالدليل لا يكون ناهضاً قاطعاً إلا لمتانته أو لعدم إدراك مواضع ضعفه ولكن لا يمضي يوم ويظهر لنا فساد بعض الأراء والأدلة التي كنا مقتنعين بصحتها مخدوعين في متناتها وذلك بفضل البحث والمناقشة.

من بذل لنا جهده فقد قام بواجبه ولا لوم على من سعى وأخطأ.

إذن فلا إكراه على العقائد وإنما المرء مكره على أن لا يبحث في المسائل الهامة بنزق وطيش بل عليه أن يبلوها بصدق وثبات.

ومن عمل جهده في مسألة وجود الله واليوم الآخر وكان رائده الإخلاص والأمانة فلا يستحق اللوم والتأنيب مهما كان الحل الذي يصل إليه فلا حجر على الآراء والمبادئ ولا واجب بإزائها غير الدقة والأمانة.