إلى التذرع بالكذب لنفع أنفسهم أو إضرار الغير ثم يكذبون في الموضوعات ليس في طبيعتها ما يبعث على الكذب وفي الأحاديث الفاترة لا تتحرك رياحها بما فيه حركة للطبائع والاريحيات وهزة للنفوس والشهوات من مطمع أو مطمح. أو مفرح أو مترح: أو مطرب أو مغضب. أو مرهب أو مرغب. أو بالاختصار تراهم يكذبون حيث لا تجد من الأسباب ما يستحق أن تخطر له السمعة مهما حقرت في عين ربها وتنتهك من أجلها حرمة المروءة مهما هانت وإلى رذيلة حب الذات رجع معظم الأكاذيب التي تصادف آذانا صاغية. وقلوباً واعية. وذلك لأن كذبة التاجر أو كذبة الحسود تكون دائماً ظاهرة العلة. حتى لقلما تسوغ على المكذوب أو تروج عنده. وكيف والتهمة أبداً منتبهة. والنفس يقظة عند كل مالها به علاقة أو فيه مصلحة ومهما أثبته التاجر أو الحسود. بوحي الطمع الحرام أو إملاء الفؤاد الدغل كان خليقاً أن ينفيه المكذوب عن ساحته ويمحوه من صحيفته بأسباب أقوى ودواع أشد. ولكن المحب لذاته المفتون بنفسه تراه يفرح بأن يدعي لنفسه حقائر صفات وتافهات مما لا علاقة له بأحوال مجالسيه. ولا دخل له في أمور شؤون معاشريه. حتى إن أكاذيبه لا تهيج خوف إنسان ولا تغرى أحداً باستقرائها لاكتشاف أمرها. ولو حاول محاول أن يتتبع بالتهمة أكاذيب حب الذات يشغل صاحبه ما كان وأين كان. ولا جرم فمن أخطأ في الواقع والحقيقة مناه كان حرياً أن يلتمسها في الزور والباطل.
قال أحد الحكماء لا أحد إلا ويرغب أن يراه الناس فوق غيره ولو لم يكن إلا في امتيازه برؤية مالم يروا وهذه الميزة لخلوها من المجد وبراءتها من الفضل قد كان يجب ألا يكون إليها مطمح طامح ولا دعوى مدع ولكنها على حقارتها وخستها أبى عشاق الذات إلا أن يجعلوها منبع حكايات كاذبة لا تحد ولا تحصى نصيها من تصديق السامعين بمقدار حذاقة الكاذب أو ثقة السامع فكم بين الكذابين الثرثارين من يعد لك في أصحابه كل مخاطر فتاك ملء حياته أهوال ومهارب من مضايق يرى الموت فيها عياناً وتراءت له الحياة ماردا وشيطاناً وكل كاهن ساحر حشو أيامه غرائب وآيات وعجائب ومعجزات قد تلببت لخدمته الطبيعة لا تفتأ تصور له من المدهشات مالا يراه غيره وما ذاك إلا التحدث بأحاديث الكذب ومقالات الأفك والزور.