ذلك كان بالبيرة (وهي مدينة كبيرة بقرب غرناطة).
نعم إنهما اتفقا على دفنه بقرطبة. ولكن الرجل لا يمكن أن يكون قد مات في موضعين مختلفين وفي وقتين متباعدين. فذلك شك ثان نؤيده باستدلالات واستنباطات. وفوق ذلك فإن ابن بسام يؤكد لنا أن دفنه كان باشبيلية ٠فهذا شك ثالث).
كيف يموت ابن زيدون وأقواله لا تزال ترن في المسامع وتدور في الأفواه؟
كيف يموت ذلك الذي لا يصح لأديب أو متأدب أن لا يروي له شيئاً من الأشعار؟
كيف يموت ذلك الذي نظم القصيدة النونية التي افتتحها بقوله:
أضحى التنائي بديلاً من تدانينا ... وناب عن طيب لقيانا تجافينا
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا ... شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا؟
كيف يموت صاحب هذه القصيدة التي حكم بعض الأدباء بأن من رواها ولبس البياض وتختم بالعقيق وقرا لأبي عمرو وتفقه للشافعي فقد استكمل الظرف.
كيف يموت صاحب هذه القصيدة التي سارت في البلاد، وطارت بين العباد، واشتهرت حتى صارت محدودة، فقيل ما حفظها أحد إلا مات غريباً.
كيف يموت صاحب هذه القصيدة التي تهافت كبراء الأدباء على معارضتها في حياة صاحبها وبعد موته (الذي يزعمون) ولم يقاربها أحد منهم إلى الآن بل بقيت الشهرة لها كما بقي الصيت لصاحبها (الباقي إلى الآن).
كيف يموت صاحب هذه النونية التي عارضها أبو بكر بن الملح وأراد أن ينازعه الراية، فقصر عن الغاية. وهذا مطلع قصيدته:
هل يسمع الربع شكوانا فيشكينا ... أو يرجع القول مغناه فيغنينا
كيف يموت صاحب هذه القصيدة التي أراد الصفدي أزمان الشباب أن يعارضها بمرثية لبعض أصحابه في صفد، وأولها
تحكمت بعدكم أيدي الثوى فينا ... وقد قامت بنادينا تنادينا
كيف يموت صاحب هذه القصيدة التي قصر عنها الأدباء فاحتمى بعضهم في ظلالها: واقتبس كلامها، فقد سدسها أحد علماء المغرب وهذا مطلع التسديس:
ماللعيون بسهم الغنج تُصمينا ... وعن قطاف جنى الأعطاف تحمينا