صاحبينا (بن مرتين وابن عمار) ما زالا يعملان لدى ابن عباد حتى صدر الأمر إلى أبي بكر بن زيدون أيضاً بأن يلحق بأبيه في اشبيلية. حينئذ خلا لهما الجو فاستأثرا بالأمور كلها وانفردا بتدبير الدولة بلا مشارك لهما في أهوائهما ولا معارض لهما في أغراضهما.
وكأن زوال دولة ابن عباد كان مقدراً على يد هذين الرجلين. فابن مرتين، يكفي في التعريف بمراميه أنه ابن مرتين أي أنه من أصل غير عربي، فإن جده رجل اسباني يسمى وأما ابن عمار فقد أنكر فضل ابن عباد وشق طاعته وسعى في الفساد والخراب وخرق العهود وخان واتعب ابن عباد حتى أوهي دولته، على ما هو معروف ومشهور.
أما ابن زيدون وهو في اشبيلية، فلم يطل الأمد به بعد لحاق ابنه به. فكأنه جاء ليكفنه ويدفنه بها في صدر رجب سنة ٤٦٣ حينئذ تولى منه كهل لن يخلف الدهر مثله جمالاً وبياناً وبراعة وظرفاً.
وهو عند أولي التحقيق في النظم أمد طلقاً وأحث عنقاً، فلا يلحقه فيه تقصير، ولا يخشى رهقاً. ولما وصل خبره إلى قرطبة، وله فيها عشرة كبيرة وأشياع كثار، تناعوه وحزنوا عليه لأنه كان منهم، هاوياً إليهم، حدباً عليهم، وليجة خير بينهم وبين سلطانهم الحديث الولاية.
فأراد السلطان أن يترضاهم فأرسل لأبنه (أي أبي بكر بن زيدون) وقربه إليه، ورقاه في مراتب والده، حتى أحظاه بالوزارة. وقد اغتنم هذا فرصة ما وقع من ذي الوزارتين بن عمار من الخروج على ابن عباد فأوغر صدر ابن عباد عليه وما زال يعمل لديه حتى كان سبباً في هلاك ابن عمار على ما هو معروف ومشهور.
يقولون مات ابن زيدون. فهل تظنون أن هذا قد كان أو يمكن أن يكون.
أنا لا أقول بالرجعة ولا أذهب إلى الخلود. ولكنني لا أصدق بأن ابن زيدون قد مات. لأن المؤرخين اختلفوا في موته، والاختلاف مدعاة للشكوك والظنون. فشمس الدين الذهبي يقول أنه مات سنة ٤٦٣. وأما ابن بشكوال فإنه يجعل ذلك سنة ٤٠٥. فإن صدقنا هذا الثاني لأنه أندلسي، فإننا نرى ابن بسام (وهو أندلسي) أيضاً يؤيد قول الذهبي الشرقي. فهذا شك أول.
ثم أنهم اختلفوا في موضع وفاته. فقال الذهبي أنها حدثت باشبيلية. وقال ابن بشكوال أن