الفائدة، في غير الحيلة والمكايدة، لاستمساك أهلها بدعوة الخلافة وأنفتهم من زوالها عنهم وانطماس رسومها في بلدهم فلما فاز بالمرام وانتظمت تلك العاصمة الضخمة في ملكه. ذهب إليها مسرعاً واهتم بتدبير شؤونها. هنالك جاشت نفسه بالفخر على سائر ملوك الطوائف. فقال:
من للملوك بشأو الأصيد البطل، ... هيهات جاءتكم مهدية الدول!
خطبت قرطبة الحسناء إذ منعت ... من جاء يخطبها بالبيض والأسل
وكم غدت عاطلاً حتى عرضت لها ... فأصبحت في سرى الحلي والحلل.
عرس الملوك لنا في قصرها عرس ... كل الملوك به في مأتم الوجل.
فراقبوا عن قريب! لا أبالكم، ... هجوم ليث بدرع البأس مشتعل
أما ابن زيدون، فقد عاد قرير العين إلى وطنه وأهله وكانت له شيعة كبيرة في قرطبة، فارتفع جده، وزاد إقبال الدنيا عليه، وبلغ حظوته عند المعتمد درجة لا يطمع فيها.
فحينئذ سعي في هلاكه صاحباه ابن مرتين وابن عمار، وتلطفا في إبعاده وإبعاد ابنه من بعده ليخلو لهما الجو، ولينفردا بالاستئثار بابن عباد. ولقد ساعدتهما الظروف.
فقد وقعت فتنة في اشبيلية واضطر ابن عباد للتعجيل بإرسال جيش كثيف إليها تحت قيادة ابنه سراج الدولة بن عباد. فسول ابن مرتين وابن عمار لابن عباد أن يرسل ابن زيدون مع سراج الدولة وتلطفا في تفهيم السلطان أن ذهاب ذي الوزارتين فيه حقن للدماء، وحفظ للنظام، لما له من المكانة العالية والجاه الرفيع، ولأنه محبوب لدى جميع القلوب. ثم وسوسا له بأن المصلحة كل المصلحة هي في وجود ابن زيدون الوزير العاقل المدرب المحنك المجرب بجانب سراج الدولة الذي هو قرة عين الملك، ومطمح الأنظار لبقاء البيت العبادي.
وما زال الرجلان ينسجان على هذا المنوال حتى أفلحا خصوصاً لغياب ابن زيدون في مرض ألزمه البيت.
صدر إليه الأمر بالذهاب ولم يعذره السلطان في التوقف لما ألم به من الآلام. فخرج منها مع الحاجب سراج الدولة بن عباد والجيش متوجهين إلى اشبيلية. وكان ذلك في يوم ١٣ ذي الحجة سنة ٤٦٢. وخلف في قرطبة ابنه الوزير الكاتب أبا بكر بن زيدون، ولكن