للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من شملهم ما كان الدهر جمعه. ومضى على غلوائه راكضاً حتى خفي عن العين، خائفاً من متعلق به يحين بتعلقه الحين. وحين وصل الوزراء إليه تأسفوا عليه وأفاضوا في ذكر الزمان وعدوانه، والخطب وألوانه، ودخوله بطوام المضرات، على تمام المسرات، وتكديره الأوقات المنعمات، بالآفات المؤلمات.

فقال ابن زيدون:

أنلهو والحتوف بنا مطيفه ... ونأمن والمنون لنا مخيفه؟

فقال ابن خلدون:

وفي يوم وما أدراك يومٌ ... مضى قُمصالنا ومضى خليفة!

فقال ابن عمار:

هما فخارتا راح وروح ... تكسرتا فأشقاف وجيفه.

ولابن زيدون مدائح في المعتمد بن عباد كلها درر وغرر، وآيات بينات، وله معه مداعبات، ومطارحات ومساجلات. فتارة يشوقه إلى تعاطي الحميا في قصوره البديعة، وتارة يرسل له التفاح ويكتب عليه الأشعار، يدعوه إلى تناول العقار، وتارة يهينه، وأخرى يمدحه. وله بيتان قد بلغا حد الإبداع في هذا الباب. قال يخاطبه:

مهما امتدحت سواك قبل فإنما ... مدحي إلى مدحي لك استطراد

يغشى الميادين الفوارس حقبة ... كيما يعلمها النزال طراد

فما أحسن هذا التنصل بالتمرن على المديح، حتى إذا جاد وبلغ المراد أهدى ثمرته إلى ابن عباد.

هذه قطرة من بحر من بحور شعر ذلك الفرد. وأما نثره، فشيء بعيد حصره. ومما يجهله كثيرون أنه ألف كتاباً في التاريخ، جعله ابن حزم من مفاخر الأندلس، وقال أن أبا الوليد بن زيدون ألف كتاب التبيين في خلفاء بني أمية بالأندلس على منزع كتاب التعيين في خلفاء المشرق للمسعودي. وقد نقل صاحب نفح الطيب سطراً أو سطرين عن هذا الكتب الذي لم يبق له أثر ولا عين.

وما زال ابن زيدون يتشوق لقرطبة ولمن فيها ويعمل لدى المعتمد بن عباد حتى جعل قرطبة منتهى أملهن فسعى في مداخلة أهليها، ومواصلة ذوي الكلمة فيها. لأنه رأى عدم