للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنتديات رجلاً دمث الطباع لين الجانب حسن المنظر ولكن لعينيه معني منكراً تخاله ينظر إليك من خلال أهدابه ثم يفر منك بلحاظه فلا تكاد تراه. وقد كان هذا الرجل غشاشا ولصاً فأما من فاق أهل الرياء جميعاً وحمل لواء النفاق والخداع فتلك فتاة صغيرة حسناء حيية خجول منكسة الرأس في غالب الأحيان خاشعة البصر لها رقة كأنها السحر. وإنما كان يحدوني إلى اتهام أخلاقها أني كنت أرى في عينها نظرة ساجية شاخصة كأنما غشيت حدقتها طبقة من لماء أو الزجاج ثم كانت تقبل بهذه النظرة على الفضاء كأنها قد عزمت على أن لا تناقش عينها عينك ولا تتفاهم ألحاظها وألحاظك وكأني كنت أرى تحت سطحيهما (سطي عينيها) اللامعين الراكدين ما يكمن لي من الصخور والأوعاث.

ولا أرانا في تمام أنس وراحة مع ذوي العاهات وذلك لأنهم إذ كانوا ساخطين على أنفسهم فهم بالسخط على الجلساء أخلق وأولى. وبأن يأخذوا من الخلطاء والعشراء ثأرهم عند الطبيعة أجدر وأملى.

ومعرفة الأخلاق أمر شاق ومطلب عويص يحار فيه ويصدر عنه بالعجز والجهل. وجهلنا به ليس بقاصر على الأمم الأجنبية والطبقات التي هي فوقنا أو دوننا على الأصدقاء والأهل والأقارب بل أنا لنجهل من أنفسنا مثلما نجهل من الغير. وضلالنا في شأن الغير بسبب بعدنا من الموضوع كضلالنا في شأن أنفسنا بسبب شدة القرب منه.

فترى أهل الطبقة العليا والوسطي في معظم الأحيان على جهل تام بأخلاق من هم دونهم من الخدم وسكان القرى. وإني لأرسلها قاعدة عامة في هذا الموضوع أن جميع غير المتعلمين أهل نفاق ورياء. ولا هم لهم في الدنيا إلا الغش والخداع. لأنهم يرون أن بينهم وبين الطبقات العالية شبه عداوة وحرب ويرون أن الحرب خدعة وللخدم ملكات إبداعية وقوى اختراعية لا بد أن تصيب أهدافاً وأغراضاً والخال تقتضي أن تكون هذه الأهداف والأغراض هي أغراض أسيادهم ومن يشابهونهم ويشاكلونهم ويجرون مجراهم من الدرجة والحال والمنزلة. نعم إن مواد ذكائهم وأجزاء فطنتهم وبديهتهم لا تطرد بها مجاري القصص ولا تستقل بها مسايل الشعر والرواية وإن قرائحهم لا نغمس في غمرات الكتب ولا تشتمل عليها غيابات الأسفار ولكنها تبقى يقظة تتوقد منتصبة كأنها شوك القنفد أما تري تيار حديثهم يتقاذق بزبد الفكاهة ويتدافع بحباب المجون والمزح ويرمي بكل درة