للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عذراء من جيد القول ولؤلؤة بكر من بارع الكلم. وما يزال أسيادهم يرفعون أنفسهم فوق هاماتهم وما يزالون هم يغضون من أقدار أسيادهم ويحطون من مقاماتهم لكي يلتقوا وإياهم في صعيد واحد ويجمع الفريقين طرفاً سواء. ويفعلون ذلك بتأليفهم من سقطات العائلة ومعايبها وعوارتها رواية يومية يمثلها بعضهم أمام بعض زائدين فيها من مخترعات قرائحهم وبنات أفكارهم ماشاؤا ثم يقلبون أخلاق أسيادهم وسيداتهم ظهرا لبطن ويبرزون مخبات ضمائرهم ومهما يصطنع لهم السيد من حسنة تكن أغرى لهم به وأهيج لهم عليه. وما كنت لتغلبهم بسلاح الحسنة ولا لتستبيهم بمصايد العرف والجميل. وما من حيلة لك تدفع بها احتقارهم إيالك واستخفافهم بك. وإنما يكون المعروف أبعث لهم على النقص من قيمته وعلى تسويد عرضك. وإنهم ليشعرون بأنهم فئة قد انحطت درجتها ظلماً وعدواناً وهضمت حقوقها بغياً وجوراً ثم لا يفهمون لماذا يذهب الأسياد بجميع النعم والمزايا ويبؤون هم بالذلة والحاجة والضعة من كل جانب. ثم لا تستطيع قط أن تصلح ما بينك وبينهم وترضيهم عنك وعن منزلتهم منك. ولو حاولت لاتهموك بأنك تخدعهم. فهم لا يتحلون قط عن إساءة الظن بك. فمن المحال أن ترجو لديهم الشكر وحسن النية وإرادة الخير لك. وكيف وما بينك وبينهم رابطة إخاء وعقد مساواة. فلا ثقة لهم بك ولا استئناس إليك ولا سكون لك. هم يرون أنك تنال منهم بتسلطك عليهم فينالوا منك بخديعتهم إياك وبالحيلة والكذب والمرواغة حتى يستردوا منك مسلوب حقوقهم ثم لا يمنعهم عن طرق الغش والنفاق مانع وما تألفت إلا من ذلك حياتهم. وأين منهم الصدق وهم لا يعرفونه. وإنما حب الصدق شأن من جعل الصدق ديدنه ومبدأه ممن انقطع لفن من الفنون أو لعلم من العلوم حيث يكد الذهن وينصب فيعتاد أن يتمسك بدقة الحساب ويفخر بصحة النتائج. ولا يمكن أن يتولد للنفس حب للصدق خال من الغرض حتى يكون المرء قد طال مزاولته للصدق وتأمله إياه في الأمور العقلية والمسائل البعيدة. والجاهل المنحط لم يزاول من الأمور والمسائل إلا ما اتصل بمنفعته. واختلط بمصلحته فكل أفكاره محلية شخصية ولذلك كانت خسيسة وضيعة. وكل ما سنح بخاطره جرى به لسانه لا ينظر حسناً كان أم قبيحاً. ويحول مجرى كل حادثة في طريق فائدته ولا يبالي أي أكذوبة يصوغون وأي باطل يزخرفون ما دام يلائم غاياتهم ثم لاذمة لهم ولا ورع ولا تقى ولا حياء من العار ولا خجل