للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الفضيحة ولا يقنعون بالبرهان ولا يذعنون للحق وإذا ناقشتهم بالحجة ضحكوا منك سخرية واستهزاء وليس لك عليهم من سبيل إلا أن تأتيهم من جهة مصلحتهم عندك كأن تطردهم من خدمتك فإذا تظاهروا لك بشيء من الندم ورجوك الصفح فإنما هو رياء منهم يضمرون وراءه شراً كبيراً. وهكذا يظل ذوو اللب والفضل والمروءة ولا حيلة لهم على أولئك المتوحشين اللابسي أزياء المدنية. وكيف وإنك لا تدري ماذا يهجس لك بخاطرهم ولا مبدأ هنالك ولا علامة تدل على ذلك. وليس بينك وبينهمز أدنى اتفاق في رأي أو فكرة. بل كل تناقض وتباين في الإحساس والنظر والمصلحة. وأنت تبني أعمالك على مبادئ ثابتة في الأخلاق. وعلى غاياتهم وأغراضهم لا على غيرها يبنون أعمالهم طرا. فإذا عناهم أمر أخلاقهم والتفتوا إلى تهذيب آدابهم كان باعثهم الوحيد على ذلك هو طلب المنفعة والفائدة لا حباً في الكمالات ورعياً لحرمة الأدب والواجب. فهم أبداً يكدون القرائح في أمرين - تصحيح السمعة وامراض الضمائر. وجملة القول أنك لن تصل معهم إلى حال من التفاهم والتوافق حتى لكانهم في ذلك صنف غريب من الحيوان وليسوا أبناء أبيك آدم. فإن وثقت بهم كذبوك. أو ائتمنتهم خانوك. ثم لا يغرنك منهم ملق وخضوع وطاعة وخشوع. فلقد تتفضل على خادم أحد المطاعم بمحادثتك إياه وعطفك عليه ثم لا تكاد تعطيه كتفيك حتى تسمعه ينبذك باللقب الخبيث. وإذا أهديت ابنة المرأة التي أنت نازل عندها هدية كان جزاؤك منها أنها تغالطك في الحساب وتشتط عليك في الأثمان. حتى لكان الذي بينك وبين أولئك اللؤماء حرب عنيفة وقتال. والحقيقة أن الإنسان مفطور على كراهة أن يكون عليه لأحد عليه رئاسة أو سلطة فهو أبداً يدأب في أن يزيل عن نفسه آثار فضل الغير ويحط عن عاتقه أعباء سلطتهم ويمحو ما بينه وبين من فوقه من آيات التفاوت الظاهر والفرق المشاهد وإذا ساقت الظروف بعض هؤلاء السفلة إلى الاحتكاك بالعلية لم يعدموا وسيلة إلى إيجاد نوع ما من المساواة بينهم وبين - سادتهم - وبئست المساواة! ولقد جاء في الحكمة أنه لا بطل يكون بطلاً في عين خادمه. لأنه لا يفهم البطولة إلا من كان به شيء من البطولة فهو إذن يفهمها ويجلها ويكبر ربها بما أنه أعلى منه واشرف وأعظم. ولكن الخادم الخسيس الذي لم يوفق إلى إدراك معني العظمة لا يعرف ما هي العظمة ولا يظن أن الله قد خلق إنساناً خيراً منه وأشرف.