للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقد كانت السيدة الأديبة العالمة المسز سيدونز تلقى محاضرة لنخبة من عيون المتأدبين وخلاصة المهذبين في شعر شاكسبير وكان المحفل بكلامها معجباً. ولبديع آياتها مرتاحاً طرباً. وهي تنثر الدر بين الهتاف والتصفيق وإذا بأحد الخدام في الحجرة الخارجة يصيح مستهزئاً عجباً يا إخواني! أما ترون ما نحدث العجوز بين القوم من الصياح والضجة! عجباً من العجائز عجباً! وكذلك ما أقل الشبه بين بعض طبقات المجتمع وبعضها وما أبعد الأمل في التوفيق بين شتى العادات والأخلاق وأي هوة سحيقة بين جهل أولئك ومعارف هؤلاء.

ومما يعرض في هذا المبحث آراء الرجال في النساء وآراء النساء في الرجال فأقول إذا بنينا الحكم في هذا الموضوع على أمر اختيار الرجل زوجته والمرأة زوجها كان لنا أن نحكم على الفريقين بفساد الذوق وخطل الرأي وسوء الحكم وقد جاء في المثل أن الحب أعمى. وما هو إلا استبداد الهوى بالرأي وذهاب الخيال بالعقل. ولا شك في أن أحب الرجال إلى النساء هم الذين لا ينزلون من نفوس إخوانهم الرجل منزلة سامية ولا فازوا من احترام الذكور بالقسط الراجح. ويظهر لي أن النساء لا يثقن في أمر الحب بأرائهن وأذواقهن بل ينظرن إلى رأي الرجل في نفسه فيتخذنه رأياً لهن ولذلك كان أكثر الفائزين بحبهن هم ذووا الغرور والادعاء والوقاحة. ولا يخطب ود النساء ولا يستجلب رضاهن واستحسانهن بتلك المعالي التي يتنافس فيها الرجال كالفصاحة مثلا والنبوغ والعلم والعبقرية والشرف والنزاهة. ولا أنكر أنه يستمال جانب المرأة بقوة الذكاء والجرأة وما كان حسن الشباب ورونق الجمال وحدهما بكافيين لاستجلاب محباتهن والطريق إلى قلوبهن عسير الاهتداء إليه وأعسر منه ركوبه. على أنه لا بد أن يكون هناك حل لتلك العقدة ومفتاح لذلك القفل وسبب لهذا الأمر إذ كنا نرى أن الكروهين من النساء أشباه كأنهم صنف واحد. وكذلك نرى المحبوبين إليهن. أو ليس أكبر الأسباب التي تدنى منهن وتحبب إليهن وتستجلب ودادهن وشغفهن هو شدة إقبال الرجل عليهن وعنايته بهن وإيثاره إياهن على كل ما عداهن من الأمور والأشياء؟ فالحظى عندهن المقرب هو تبيعهن الخاضع وزيرهن الطيع المنقاد. الذي إذا تحدثن فكله آذان أو سكتن فكله أعين. أو غبن فكله خيال وذكرى وأين هذا من رجل مثلي يسمع حديث المتناظرين وهو ران إلى الكاعب الحسناء