للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والموسيقى والرقص أجزاء لشيء واحد، فصارت على ممر العصور كما نراها الآن منفصلة بعضها عن بعض، وأصبح كل منها فناً قائماً بذاته، وأنك لتجدها حتى اليوم متماثلة متحدة بن القبائل المتوحشة، فإن رقص الهمجيين لا بد من أن يصحبه نشيد متشاكل النغم، وتصفيق بالأيدي وقرع الدفوف، أي أن هناك حركات موزونة وكلمات موزونة ونغمات موزونة، ومن نظر إلى تاريخ الشعوب القديمة الأثرية رأى هذه جميعاً متحدة في الأعياد الدينية، وقد جاء في المدونات العبرية أن نشيد النصر الذي نظمه موسى في هزيمته للمصريين تغنوا به على الرقص وقع الطبول. وكان بنو اسرائيل ينشدون ويرقصون ويتغنون يوم اتخاذهم العجل الذهبي.

ولما كانوا قد أخذوا العجل الذهبي عن (آبيس) معبود المصريين فلا جرم أن المصريين كانوا يفعلون فعلهم في الحفلات الدينية، وكذلك كان اليونان في أعياد آلهتهم وأبطالهم، وكان للرومان أعياد دينية يقيمونها رقصاً وإنشاداً وغناء، وفي بعض الشعوب المسيحية التي جاءت بعد هؤلاء كان الأهلون يقيمون حفلة راقصة منشدة تبركاً بالقديس، وقد بدأت هذه الفنون تنفصل بعضها عن بعض، ثم تنفصل عن الدين في عهد اليونان، فقد اتخذوها بعد ذلك في حروبهم، وابتدأ الشعر والموسيقى مجتمعين ينفصلان عن الرقص.

وأنشأ الشاعر ينظم القصيدة فإن كانت مطولة ألقاها إلقاء، وإن كانت قصيرة غناها.

وكان الشعر مع ذلك يتطور في نفسه ويتدرج تبعاً لتطور العالم وارتقائه، فقد كانت اشعار الإنسان بل الشاعر الأول أناشيد روحانية تدور حول الخالق والخلق. وكان العالم قفراً يباباً، وكان فكر الإنسان مذهولاً متلدداً بين السماء والأرض، فلما زادت الخيرات وخرج الإنسان عن أنانيته وحيوانيته فأصبح حيواناً اجتماعياً، وامتدت حدود الاجتماع فصارت العشيرة قبيلة وصارت القبيلة أمة، وتطورت جماعات المدينة إلى جماعات الأقليم، وتطورت جماعات الأقليم إلى جماعة الشعب، وشرع الكاهن والملك يلعبان دورهما في تاريخ الأنسلية، فأنشئت الأمارات وقامت الممالك، ثم بدأ العالم من جراء التكاثر يزدحم، وراح كل شعب يصطدم بجيرانه، فوقعت من ذلك الحروب والغارات، وولدت الحروب أمثال هوميروس، فكان الشعر هو مرآة لكل تلك الأمور، وانتقل من حد بيان الخواطر والمشاعر إلى وصف الحوادث وتصويرها، فكان منه التاريخ، وتدوين الوقائع، وتسطير