للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأن موجدة فولستاف على تتويج صديقه القديم لم تكن أكبر من الموجدة التي لاقاها صحب فردريك وشربه، وكانوا من قبل ينظرون يوم تتويجه كأنه اليوم الذي يبدأ فيه تاريخ نعيمهم، وعظمتهم ونباهتهم، فلما متع النهار الذي كانوا به يحلمون، ونزلوا بالأرض التي كانوا يظنون أنها حافلة بأنهار من لبن، فياضة بأنهار من عسل ماذى إذ هم عند صحراء تسوخ في فدافدها القدم.

ولقد أهاب فردريك يوماً بأحد أصحابه ناهراً، كفاك مجوناً، وحسبك دعابة! وبدا لهم أن الملك الجديد يشبه أباه في كثير من الأمور، والحقيقة أن هناك فروقاً كبيرة بين الوالد وولده في حدة الذكاء وعظمة الفكر وسرعة الخاطر وحب الملاهي والمناعم والمذاكرة والإطلاع والمظهر والمخبر، ولكن أساسي أخلاقهما متشابهان متماثلان، وأن فردريك ليحكي والده في حب النظام والعمل والشح، ويشابهه في آرائه الحربية وزهوه وخيلائه، وحدثه واحتدامه، وتلهيه بإيلام الناس وإذلال أنوفهم.

وما كانت هذه في الوالد إلا عن سخف في الرأي وضعف في الفكر. وما كانت في فردريك إلا عن حكمة وحزم وسداد، وإليك المثل.

كان فردريك كأنداده الملوك الصيد في عنايتهم بتهذيب جيوشهم وتنظيم كتائبهم، ولكن هذه العناية لم تبلغ إلى حد الجنون، ولم تؤد به إلى فارط الأعطية التي كان يحبو بها طوال الجنود، وكان فردريك في الاقتصاد كما ينبغي لكل أمير أن يكون، ولكنه لم ير كوالده القصد في العيش، والحرص على المال، والغناء بفاسد الأطعمة، من أجل توفير ستة شلنات في العام أو تزيد.

وإنا لنشفق أن يكون فردريك مثل أبيه نزاعاً إلى الشر. وميلاً إلى الأذى، ولكن ذكاء فردريك أعانه على أن يظهر ميله إلى الشر في سبل قواصد وأشكال متقنة.

ولبث قومه وجيرانه في شك من أمره حتى وقعت بعد ذلك أحداث، تجلى فيها صادق خلقه وظهر للناس ما خفي من دخيلته، وبدا لهم ما احتجب من سريرته، إذ لم يكد يمر على ولايته بضعة أشهر حتى لقي ربه شارل السادس، إمبراطور جرمانيا، وآخر أسرة النمسا من الذكران.

لم يعقب شارل السادس ولداً، وكان قبل وفاته في بأس من تخليف أبن يكون وريثه في