للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتعهد فولتير لعابده أن يحمله إلى المطبعة. وسمياه ضد ماكيافلي فكان كتاباً ممتعاً. حمل المؤلف فيه على سيئات الأغتصاب والأنتهاب والأغتيال والأستبداد والحروب الغاشمة الظالمة. وخلاصة القول أن المؤلف أنكر المساوئ التي ما يبرح يذكر عليها اسمه. وما يفتأ يشهر لها بين الناس أمره.

والملك الشيخ يبرم بين فترة وفترة بملهاة رينسبورغ ويضيق بين آونة وآونة ذرعاً بقصف وريثه وملاعبه. ولمنه كان متخاذل القوى. ضارع الجسم. قد ذهبت مرته. وحانت منيته. ولم يبق له من مباهجه إلا مبهجة واحدة وهي رؤية الأماليد من جنده. وطوال المناكب من عسكره. وهين على المبعد أن ينال قربته. وعلى المسيء أن يظفر بحظوته. إذا هما أتحفا الشيخ بجندي طويل. ومن ثم كان فردريك ابنه يوافيه بين حين وحين بهذه التحف. ويكثر له من تلكم الطرف.

ولقي الشيخ ربه في أوليات عام ١٧٤٠ برباطة جأش وسمو نفس يليقان برجل أحفل فضلاً وأمتع عقلاً. وأصبح فردريك. وكان قد ناهز الثامنة والعشرين من سنه. ملك بروسيا ورأسها. ولم يفهم أحد في بادئة تتويجه معالم أخلاقه. ولكن لم يتلجلج في خاطر امرئ جلس إليه واستمع لحديثه وسمر في ناديه. أو كانت بينه وبين فردريك مراسلة. أن ينكر حفل نصيبه من الكفاءة. ومتع حظه من المقدرة. ولكن الحياة السهلة الشهوانية التي كان يتابعها. وحبه لذَّ المآكل وطيب الشراب. وميله إلى الموسيقى والسمر والحديث والأدب. جعلت الناس يعدونه امرأ شهوة ينبعث في أثرها بروحه وجثمانه. وأن ترنمه بمديح الأعتدال والسلام. وتغنيه بفضل الحرية والسعادة التي ينالها ذو العقل الكبير من إساد غيره. قد غررا ببعض القوم. وكان ينبغي لهم أن يكونوا بأمره أوسع علماً.

أما الذين أحسنوا الظن به فقد كانوا يتوقعون منه (تليماك) آخر. على غرار (تليمام) فنيلون. وتنبأ آخرون بأنهم على أبواب عصر جديد يضارع العصر المديسي. عصر تنتعش فيه دولة الأدب. وتزهر فيه دولة العلم. وتدول به دولة اللهو. ولم يشك إنسان في أن الصاعد أريكة الملك. المتبوىء عرش بروسية. مليك مطلق، له كفاءة حربية خارقة، ومقدرة في السياسة غير مألوفة، ومهارة في الصناعة غير معهودة، ولا خوف يساوره، ولا أيمان يطاوعه، ولا حدب يخالجه.