للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يجدد دولة بني مروان بالمشرق فمات دون ذلك الأمل وكانت مدة ملكه ثلاثاً وثلاثين سنة وأربعة أشهر، وكان موته في خلافة الرشيد وأمه أم ولد بربرية اسمها راح ومولده سنة ثلاث عشرة ومائة بدير حنا من أرض دمشق وقيل بالعلياء من تدمر ومات أبوه في أيام أبيه هشام سنة ثمان عشرة عن إحدى وعشرين سنة وكفله واخوته جدهم هشام وخلف عبد الرحمن من الولد عشرين منهم أحد عشر رجلاً وتسع إناث.

تلك هي ترجمة عبد الرحمن الداخل كما ذكرها ابن خلدون مع الحذف والزيادة والتقديم والتأخير. ومن وقف على ترجمة هذا الأمير العظيم تجلى له كالشمس في وضح النهار أنه من نوابغ العالم وأعاظم الرجال العصاميين الذين سودتهم نفوسهم، وأهابت بهم إلى العلياء هممهم. بقي علينا أن نصف حال الأندلس في عصر هذا الأمير والممالك الاسبانية التي كانت تجاوره وتناوئه العداء، وحال العرب الاندلسيين في ذلك الوقت وما ندر منهم من الأغاليط التي سببت ضياع هذا القطر الكبير من أيديهم بعد ذلك. وموعدنا العدد القادم إن شاء الله.

فردريك الأكبر

بقلم كبير كتاب الانجليز ومؤرخيهم اللورد ماكولي

٣

وكتب الأمير فردريك كتاباً إلى معبوده فولتير في لهجة العابد، وأجابه فولتير بأجمل أسلوب وأحسن أدب، وتبع الرسالتين رسالات، وأن الرسائل التي دارت بينهما لتعد روساً نافعة لمن يريدون أن يمهروا في صنعة الملق. ويحذقوا فن الإطراء. ولم يكن ليضارع فولتير أحد في إهداء الأماديح. ولم يكن ليسبقه في تقديم التزكيات سباق. وكان يجعل لأماديحه أبداً طعماً شهياً منبهاً. يلذ الأفواه التي سئمت من جاف الثناء. وبرمت بأنماط المادحين.

ومن يد فولتير وحده يستطيع الأمير أن يزدرد سكراً كثيراً دون سآمة ولا ملل.

وكان الصديقان يتبادلان القصائد. ويتهاديان الموائد. ويتقارضان الطرائف. وهذا وفردريك يدفع بكتاباته إلى فولتير. وفولتير يصفق لها. معجباً بها. ويهتف لها مستحسناً. كأنما جمع الله راسين وبوسويه في واحد.

ومن بين منشآت الأمير كتاب له عارض به كتاب ماكيافلي. ونقد حججه. ونقض أدلته.