وإن من أهم ما تتوجه إليه التربية ويستجلب السعادة الهدوء والانضباط، فالفوضى والاضطراب الشخصي، والانزعاج النفسي من أظهر مظاهر الشقاء إن المضطرب غير المنضبط يلقي ببصره هنا وهناك، ينزعج ويزعج، وإنكم لتعلمون كم يجلب تجاوز الأنظمة المرعية من الشقاء الاجتماعي والضغط النفسي فضلاً عن عدم وصول الحق إلى مستحقه وتجاوزه إلى غير أهله، فأي سكينة ترجى حين تسود الفوضى؟!
أيها المسلم: أنت سعيد إذا عرفت قدر النعمة التي أنعم الله بها عليك سعيدٌ إذا عرفت نفسك وطلبت السعادة من نفسك لا ممن حولك سعيدٌ بإيمانك وخلقك وحبك للناس سعيدٌ إن كنت مع ربك فشكرت النعمة وصبرت على البلية، فكان لك الربح في الحالين وحسن الثواب في الحياتين.
الله أكبر! سعادة عند أهل الإيمان لو علم بها المحرومون من أهل الثراء والجاه وأهل الكفر والنفاق لجالدوا عليها بالسيوف، بل إن الملاحدة لما رأوا ما يغشى أهل الإيمان من الرضا والطمأنينة والقناعة والسكينة؛ ظنوا بجهلهم أن الدين قد خدر أهله، وما درى هؤلاء المساكين أن أهل الإيمان موقنون بأن أهل الأرض والسماوات لو اجتمعوا على أن ينفعوا أحداً بشيء لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، ولو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه.
مؤمنون بأن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، وعندهم في دينهم الإيمان مقرونٌ بالعمل، ونواميس الكون وسنن الله لا تتبدل من أجل كسولٍ أو خامل والشفاء بإذن الله مرتبطٌ بالعلاج، والحصاد لا يكون إلا بعد الزرع، فاعمل وادأب وخذ وطالب وارض بما قسم الله لك من غير يأسٍ يدخل قلبك، ومن غير حقدٍ يأكل فؤادك، ومن غير حسدٍ يأكلك ويأكل حسناتك إن سلكت هذا المسلك فلسوف تعب السعادة عباً، ولسوف تتنزل عليك السكينة تنزلاً.
وبعد -أيها الإخوة- فهذا هو الإمام ابن القيم رحمه الله يقول: إن في القلب شعثاً لا يلمه إلا الإقبال على الله، وإن فيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وإن فيه حزناً لا يذهبه إلا السرور بمعرفة الله وصدق معاملته، وإن فيه قلقاً لا يسكنه إلا الفرار إليه، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه، ودوام ذكره وصدق الإخلاص له، وفيه حسراتٌ لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه، والصبر على قضائه إلى يوم لقائه، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً}[الفتح:٤].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.