[إنقاذ بيت المقدس فريضة شرعية]
الحمد لله؛ الحمد لله الذي نصب الكائنات على ربوبيته دليلاًَ: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} [المزمل:٩] أحمده سبحانه وأشكره، أولانا من فضله وكرمه عطاءً جزيلاً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند ولا شبيه ولا مثيلٍ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، قام في عبادة ربه حتى تفطرت قدماه، وتبتل تبتيلاً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، حازوا بصحبته وأتباعه والجهاد معه فوزاً عظيماً، وذكراً جميلاً، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله رحمكم الله، واعلموا أن بيت المقدس والأرض المباركة في خطرٍ عظيم، والعمل من أجل إنقاذها وتطهيرها، فريضة شرعية وواجبٌ ديني، يستنهض عزم أبناء الأمة، وبذل كل الجهود والوسائل لإحقاق الحق ونصرة القضية.
في نصوص الكتاب والسنة، ربطٌ متين صريح للأرض المقدسة والأرض المباركة بأصلها الأصيل وهو الإسلام، فهو مستقبلها وبه حياتها، ولن يتم لها أمر أو يعلو لها شأن إلا من خلال دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
إن هذا الربط يعطي لقضية القدس والأرض المحتلة ولكل قضايا الأمة إطاراً رحباً، وعمقاً عميقاً، لا يتحقق من خلال نظرة إقليمية، أو دعوة قومية، إن مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وبيت المقدس، هي سر القوة التي جابت خيولها العالم.
أيها المسلمون! إن الذي ينظر إلى القضية بمنظار القرآن فلن يُخدَع أبداً، فالقرآن الكريم يقول: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:١٠٠].
ويقول: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة:٦٤].
ومن يتزود بزاد القرآن فلن يضعف أبداً: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:١٤] {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} [التوبة:١٤ - ١٥].
ومن يتعامل مع قضاياه على هدي القرآن فلن يضل أبداً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:٥١] {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:١٢٠] {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:٢١٧].
ومَن صدَّق بما في القرآن فلن يتنازل عن حقٍ أبداً: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً} [الإسراء:٧].
ولكن مع الأسف -أيها المسلمون- إذا كان الإسلام ذاته في عقول بعض المسلمين وكتاباتهم وإعلامهم لا يستحق أن يحظى منهم بتفكير أو اهتمام، بل إذا كانت العقيدة عند بعضهم أهون من الأرض، والشريعة أرخص من التراب، فهيهات أن تنتصر القضية، أو يتنزل نصر.
يا هؤلاء! لا عودة للحق قبل العودة الصحيحة إلى الإسلام.