للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قبسات وحكم من نصائح الإمام مالك]

الحمد لله، شرح صدور الموفقين بألطاف بره وواسع نعمه، أحمده سبحانه وأشكره على عظيم فضله وجزيل كرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، النبي الأمي علمه ربه ما لم يكن يعلم وأفاض عليه من أسرار حكمه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أنوار العلم ومصابيح الهدى، بلغوا في العلم رسوخ قدمه، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المسلمون! هؤلاء هم علماؤنا وأئمتنا، كل له شرفه وفضله، ندرس سيرهم، وننظر في آثارهم، ونتلقى علومهم في غير تعصب ولا تحامل، فليس فضل الواحد منهم مشتقاً من نقص غيره، ولا في بخسه حقه حاشا وكلا، إنما فضله نابعٌ من فضل الله عليه، في مواهبه ودراساته، وصلاحه وإخلاصه، واجتهاده في طلب الحق والوصول إليه، ولكل إمام حظه الوافر في ذلك، وحرصه على طلب الحق وتحريه واحتساب النية في ذلك، استمع إلى هذه الحكمة من البصيرة النيرة من مالك رحمه الله حين يقول: وأدركت ناساً بـ المدينة لم تكن لهم عيوب، فتكلموا في عيوب الناس؛ فأحدث الله لهم عيوباً، وأدركت أناساً كانت لهم عيوب، فسكتوا عن عيوب الناس، فسكت الناس عن عيوبهم.

وعن يحيى بن يحيى الليثي قال: آخر ما اجتمعت بـ مالك، قال: أذكر لك شيئاً تبلغ به حكمة الحكماء: إذا حضرت في مجلس فاستعمل الصمت، فإن أصابوا استفدت، وإن أخطئوا سلمت، وشيئاً تبلغ به علم العلماء: إذا سئلت عما لا تعلم فقل لا أعلم.

ولهذا كان من أعظم ما أثر عن مالك رحمه الله أنه كان يحذر من المراء في العلم وكثرة الجدال فيه إلا لضرورة ماسة، ويقول: المراء في الدين يذهب بنور العلم، ويقسي القلب، ويورث الضغائن.

تلكم هي قبساتٌ وإلماحات، فاتقوا الله رحمكم الله، وحصلوا من العلم ما استطعتم، واعملوا صالحاً، واعبدوا الله على بصيرة: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:٩].

ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة نبيكم محمداً رسول الله فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز وجل من قائلٍ عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، والخلق الأكمل، وعلى آل بيته الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، والأئمة المهديين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين!

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الدين، اللهم وانصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم وعبادك المؤمنين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتوفيق والتأييد والتسديد إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وأعز به دينك، وأعل به كلمتك، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين!

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لرعاياهم، واجمعهم على الحق يا رب العالمين!

اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.

اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كشمير وفي الشيشان، وفي كل مكان يا رب العالمين!

اللهم انصرهم، وأيدهم وسدد سهامهم وآراءهم، اللهم ووحد صفوفهم، وأنزل عليهم نصرك، اللهم واجعل الدائرة على أعدائهم وفرق جمعهم، وشتت شملهم، واجعلهم عبرة للمعتبرين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين!

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.