[الأدلة على تحريم الربا]
الحمد لله على ما أخذ وأعطى، وعلى ما ابتلى وأبلى، أحمده سبحانه وأشكره، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، نبي الهدى، وخاتم الأنبياء، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون! كتاب ربنا قد جاء بالقول الفصل في أمر الربا، في خبرٍ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولكن ومع كل هذا فلا يزال الناس بحاجة إلى التذكير به، وبيان حرمته، وشدة خطره، وعظيم أثره وآثاره.
إن كثيراً من بقاع العالم غارقة في أوحال الربا، وتحيق بها نذر لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحيط بها الإعلام والإعلان والإيذان بحرب الله ورسوله، إنها تلاحق العالم وتزلزل أركانه: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} [النساء:٢٧].
تحريم الربا من المعلوم من الدين بالضرورة في نصوص قطعية من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة:٢٧١ - ٢٧٦].
وفي الحديث الصحيح: {لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء} وهو أحد الموبقات السبع الغامسات في الإثم، وهو قرين للشرك والسحر وقتل النفس بغير حق، وفي الحديث: {درهم ربا أشد من ستة وثلاثين زنية في الإسلام} رواه أحمد والدارقطني، ورجال أحمد ثقات، {وإن أربى الربا أن يستطيل المسلم في عرض أخيه} والأحاديث في ذلك كثيرة في عقوبات الدنيا والآخرة.
الربا كسبٌ خبيثٌ محرم مشئومٌ، وسحتٌ لا خير فيه ولا بركة، الربا محاربة لله ورسوله، وكفى في ذلك خطراً ونذراً، ومن ذا الذي يطيق مواجهة حربٍ مع الله ورسوله؟!
وإن آثار هذه الحرب لمخيفة -نسأل الله العفو والسلامة- نقصٌ في الأموال والثمرات، وجدبٌ وغرق وأوجاعٌ مستديمة، وأمراضٌ مستعصية، وحرمانٌ من اللذائذ والطيبات والمتع المباحات، مع ما يصيب الناس من الهم والحزن والعجز والكسل والشح وأسباب القلق، وموجبات الأرق، وعصابات الإجرام، وأنظمة الجور على الأنفس والممتلكات! ألم تقرءوا: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [النساء:١٦٠ - ١٦١].
وفي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما ظهر في قومٍ الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله} رواه أبو يعلى والهيثمي، وإسناده جيد.
أيها الإخوة! إن على أهل الإسلام أن يُطهروا عقولهم ونفوسهم، ويوقنوا بأن الطريق المستقيمة واضحة المعالم، ولكن السير فيها لا يتيسر إلا لذوي الاستقامة، فإن الظل لا يستقيم إذا كان العود أعوج.
فاتقوا الله -رحمكم الله- وتأملوا في أنفسكم وحاسبوها، ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، نبيكم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أمركم، بذلك ربكم، فقال عز من قائلٍ عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، والخلق الأكمل، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، الذين قضوا بالعدل وبه كانوا يعدلون: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
وعنَّا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين!
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واخذل الطغاة وأعداء الملة والدين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين!
اللهم أيد بالحق والتوفيق إمامنا وولي أمرنا، اللهم انصر به دينك، وأعل به كلمتك، وأعز به أهل الحق، وارزقه البطانة الصالحة، واجمع به كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين!
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لرعاياهم، واجمعهم على الحق يا رب العالمين!
اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.
اللهم ارفع عنا الغلاء، والوباء، والربا، والزنا، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين!
اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك، لإعزاز دينك، وإعلاء كلمتك، اللهم انصرهم في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين وكشمير وكوسوفا وفي كل مكان يا رب العالمين!
اللهم انصرهم وأيدهم، اللهم انصرهم على الصهاينة الغاصبين، والصرب الحاقدين، والوثنيين الظالمين.
اللهم كن لهم، وسدد سهامهم وآراءهم، اللهم واجعل الدائرة على أعدائهم، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا و