أيها الإخوة: إذا ساد العدل حفظت الحقوق، ونصر المظلوم، وولت الهموم، وأدبرت الغموم، أما حينما يتجافى الناس عن العدل، ويقعون في الظلم، فإنه ينبت فيهم الحقد والقطيعة والفرقة وذهاب الريح.
من تجافى عن العدل دخل دائرة الظلم، يأخذ ولا يعطي، ويغلب ولا ينبل، يأخذ الذي لا يستحق، ويمتنع عما يحق، تغلبه مسالك المنافقين:{قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ}[آل عمران:١٥٤]{وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ}[النور:٤٨ - ٤٩].
إن الحيف وسلب الحقوق وإهدار الكرامات مبعث الشقاء ومثار الفتن.
إن قوماً يفشو فيهم الظلم والتظالم، وينحسر عنهم الحق والعدل إما أن ينقلبوا بفساد وإما أن يتسلط عليهم جبروت الأمم، يسومونهم خسفاً، ويستبدونهم عسفاً، فيذوقوا من مرارة العبودية والاستذلال ما هو أشد من مرارة الانقراض والزوال.
وبعد -أيها الإخوة- فإن الظلم خراب العمران، وخراب العمران خراب الأمم والدول.
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الفقر والغنى، ونسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، ونسألك الرضا بعد القضاء، ونسألك رغد العيش بعد الموت، ونسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة.