[حاجة الأمة إلى سياسة لغوية]
الحمد لله على توفيقه وهدايته، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه لا منتهى لغايته، وأستغفر الله وأستهديه، وأسأله الإعانة على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أسمائه وصفاته وربوبيته ووحدانيته، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، اجتباه من خلقه واصطفاه لرسالته، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- في كل حال، وأخلصوا له في الأقوال والأعمال، والزموا الطاعات والامتثال.
أيها الإخوة المسلمون: لقد ظهرت دعواتٌ تطالب بتعليم اللغة الأجنبية للأطفال الصغار من الصفوف الأولى، وعلت نداءات تدعو إلى تدريس لغة الأجنبي في جميع العلوم، وتعالت أصواتٌ تريد جعل اللغة الأجنبية شرطاً لتحصيل الوظيفة أو العمل!
أيها الإخوة المخلصون: لا بد في الأمة من شموخٍ لا يحني هامته لإغراءات وضع اقتصادي طارئ، أو آليات سوق عابر، أو مكاسب وقتية عاقبتها الهلاك والدمار والذوبان والاندثار.
إن من التناقض الصارخ والغفلة القاتلة: أن يتحدث رواد الفقه والمثقفون عن توطين التقنيات واستنبات العلوم في أرض الوطن، وهم في الوقت نفسه يصرون على الدعوة إلى تدريس العلوم والتقنيات باللغة الأجنبية، والتي لم يتقنها المتعلمون من غير أهلها، ولو أتقنوها -عياذاً بالله- كما يتقنها أهلها فقل على الأمة وعلى لغتها بل على وجودها السلام.
أيها المسلمون: إن الحل والسلامة والحصانة والمشاركة الحقيقية في البناء وسلوك مسالك التقدم الصحيح والنظيف هو بالتصدي لخطر الإذابة للعمل المنظم الجاد بعيداً عن الشعارات الجوفاء، والكتابات الخرساء عملٌ جاد يكسب المناعة ضد محاولة الإذابة وطمس الهوية، ومن ثَم المشاركة في البناء ومعطيات الحضارة الصالحة النافعة؛ إن كان في الأمة غيرة، وإن كان ثَمة صدقٌ وجد في خدمة الدين والأمة واللغة، فالطريق واضح، والمحجة بينة.
إن الأمة تحتاج إلى سياسة لغوية، فليست المشكلة ولا القضية في معرفة النظرية لقواعد اللغة وأصولها؛ بل الذي يحتاجه عموم الناس والمتكلمون هو الكفاءة اللغوية في النطق والكتابة والتعبير نحتاج إلى سياسة لغوية تنسق عمل المؤسسات المعنية باللغة وخطاب الناس، ولا سيما الإعلام بوسائله، والتعليم بمناهجه وطرائقه؛ فتكون الفسحة الميسرة هي الهدف المنشود التحقيق، وحينئذٍ لا تكون لغة مادة دراسية مجردة مفردة معزولة محصورة بين حيطان قاعات الدراسة في ساعات محدودة، بل يجب أن تكون هي لغة الحياة في كل ميادينها، مطلوبٌ الاهتمام الخاص باللغة في التعليم العالي في الأقسام العلمية والنظرية، وإلزام الالتزام بها تدريساً وتحدثاً وكتابة.
مطلوبٌ الغيرة الصادقة على اللغة في الوقفة الصارمة أمام هذه الأسماء التجارية والصناعية الوافدة، التي لا تعكس سوى الانهزام والتبعية والشعور بالذلة والدونية.
وبعد أيها الأحبة في الله: فإن قوة اللغة واستمرارها -بإذن الله- يعتمد بالدرجة الأولى على وعي الأمة وحرصها على رعايتها وحمايتها وانتشارها، واليقين الجازم بأنها صالحةٌ لمقتضيات الحال، قادرة على متطلبات الوقت، ومعطيات التحضر، ومستجدات التطور، وتلك أهدافٌ كبرى تخطط لها الدولة المحترمة والأمة العظيمة، فتقيم المؤسسات المتخصصة، وتبني مراكز البحوث المتقدمة، وتؤسس الهيئات الفنية لتعليم اللغة وتطوير أساليب تدريسها، وترجمة المصطلحات الأجنبية.
لا بد أن يبقى للغتنا سلوكها، ولا بد من تطويق المناعة الذاتية في جسم أبناء الأمة، والاعتزاز بالدين والدار، والتعامل مع اللغة الأجنبية ببصيرة وحسن استفادة من غير ذوبان.
يجب أن نعلن ونلقن، ونرسم أننا بحاجة إلى الأمن اللغوي، كما أننا بحاجة إلى الأمن الفكري والغذائي والمائي، فكل أولئك من ضروريات الحياة والعيش الكريم هذا هو الطريق، وذلكم هو المسار، وعلى الله قصد السبيل، وكفى بربك هادياً ونصيراً.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى، والنبي المجتبى، فقد أمكركم بذلك ربكم جل وعلا، فقال عز من قائلٍ عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد نبي الرحمة والملحمة، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين!
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك المؤمنين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتوفيق إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وأعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، وارزقه البطانة الصالحة، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم أبرم لأمة الإسلام أمر رشدٍ يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.
اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كشمير، وفي الشيشان، وانصرهم في كل مكان يا رب العالمين، اللهم سدد سهامهم وآراءهم، واجمع كلمتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم.
اللهم إن اليهود المحتلين قد طغوا وبغوا وآذوا وأفسدوا وقتلوا وشردوا وهدموا وخربوا، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم فرق جمعهم، وشتت شملهم، واجعل بأسهم بينهم، اللهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم وكن للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلادنا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.