الله عز وجل يقول:{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}[النساء:٣٢] الخطاب موجه للرجال وللنساء، إذن للمرأة مقامها في المجتمع ودورها في المسئولية، وخاطبها الله كما خاطب الرجال، وقضيتها أيضاً معتنىً بها؛ لأنها هي بناء الدنيا، فالدنيا مبنية على الرجل والمرأة، بل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم أن تحدث في حجة الوداع عن قضايا كبرى كالتوحيد والربا تحدث عن المرأة حديثاً مستفيضاً، وتحدث عن الدماء والجاهلية والقصاص إلى آخره، وقال:{استوصوا بالنساء خيراً} فقضية المرأة فعلاً هي من أكبر القضايا لا لأننا نتحدث عن نهضة وتقدم، إنما نتحدث عن شيء قرره ديننا، قال تعالى:{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ}[النساء:٧].
وفي الآية الأخرى:{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}[النساء:٣٢] بل يقول الله عز وجل أول هذه الآية: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}[النساء:٣٢] وواضح أن الخطاب للرجال والنساء، فالنساء قد تفضل على الرجال؛ في قربها من ربها، في اجتهادها في عملٍ، لأن الله سبحانه وتعالى عدل رحيم، فمن عمل لقي جزاء ما عمل، ولهذا قال سبحانه:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}[النساء:٣٢].
آية أخرى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ}[الحجرات:١١] خطاب للجنسين في هذه القضية وإن كانت السورة كلها مبتدئة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}[الحجرات:١]{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ}[الحجرات:٦] وبعد ذلك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ}[الحجرات:١٢] كلها للرجال والنساء لكن هنا أيضاً أفرد النساء بالخطاب وأفرد الرجال بالخطاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ}[الحجرات:١١]، هنا أريد بها الرجال بدليل أنه قال:{وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ}[الحجرات:١١].
وهناك قضية المباهلة، والمباهلة هي تحمل المسئولية، وقصة المباهلة أنه أتى وفد من نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبرهم النبي أنه تنزل الوحي بشأن عيسى، فخالفوه فدعاهم إلى المباهلة، وفي هذا قال الله تعالى:{فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ}[آل عمران:٦١] فالجميع يتحمل مسئولية استحقاق لعنة الله على الكاذبين فدعي الرجال والنساء والأطفال، فالكل يتحمل المسئولية.
إذاً: الخطاب للجميع، والمسئولية للجميع، والقضية قضية الجميع، وهذا قبل أربعة عشر قرناً، ماذا كانت أوروبا، وماذا كانت الصين، وماذا كانت الهند؟ كان العالم كله يغط في نوم عميق، بل حتى العرب يتنزل عليهم هذا القرآن الذي قضى الله سبحانه وتعالى أن يكون خاتم الديانات، وأن يكون محفوظاً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها حجة لله على خلقه، بعد هذه الآية قال الله عز وجل:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً}[الأحزاب:٣٦] خطاب تكليف ومسئولية وتحمل للجنسين.
قضية أيضاً كبرى جداً، في قوله تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[التوبة:٧١] من أكبر المسئوليات مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي بها قيام الأمة، وهي قوله: