وبادئ ذي بدء، فثمة إيجابيات ومحاسن يحسن التمسك بها، والاستزادة منها في ميدان الماديات والمكتشفات والمخترعات والمنتجات السلمية والعلمية، زراعةً وصناعةً، وتجارةً واتصالاتٍ، وطباً وأدويةً، وتقنياتٍ ومواصلاتٍ.
ولكن ما أثر هذه المبادئ والمقررات في تكوين الرجال وصناعة الأجيال، واحترام الحقوق، وعدالة التطبيق؟
إن كثيراً من رجال هذه المبادئ أشبه بآلاتٍ طاحنة، وكأن صفة الإنسانية قد نزعت منها نزعاً، ترفع شعارات، ثم توظف توظيفاً ضيقاً، بل تقصر على فئات دون فئات، وأقاليم دون أقاليم؛ من مبادئ الديمقراطية، ومفاهيم الحرية، ومقررات حقوق الإنسان، وما أشبه ذلك، يجب التوقف المتأني عند التناقض الظاهر بين هذه المثل وبين الممارسات.
التاريخ المعاصر معتمٌ وقاتم، فيه استعلاء واستكبار وإذلال وإهانة، وفيه استبداد وقهرٌ للشعوب والدول، وفيه سيطرة واحتكار.
إن من الأمانة والإنصاف والسلوك العاقل الجدُّ في طلب الحق، وتلمس الخير للبشرية جمعاء، ومراجعة المواقف، والتفكير بشكلٍ جاد في الدوافع الأساسية التي ملأت كثيراً من الشعوب كراهيةً، وولدت عنفاً.
أي مبادئ هذه التي تولد الكره؟! وأي مناهج هذه التي تسمح بإذلال الآخرين، وتقبل فيهم الدونية؟! أي مقررات هذه التي تغرس الغطرسة والاستعلاء؟! أي قيمٍ تخرجها هذه المبادئ؟! وأي سياسات ترسمها هذه النظم؟!
في مراجعة صادقة يحصل التأمل في هذا العنف الذي يغطي العالم شرقاً وغرباً بأشكاله وأساليبه.
إن العنف والتسلط غالباً ما يعبر عنه بأساليب عدوانية؛ كالكراهية والسيطرة على الضعفاء، واستغلالهم المادي والمعنوي، والاتهام بالباطل والاضطهاد.
وإذا ساد العنف والتسلط بدل الحوار والتفاهم، فحينئذٍ لا يبقى للضعيف صوتٌ ولا مكان، ولا يبقى للعدالة محلٌ ولا مقام، والأشنع والأفظع حين يكتسي التسلط والعنف بلباس الشرعية، فيأخذ شكلاً مبرمجاً وممنهجاً، تجب اليقظة من أجل إيقاف المد العدواني في العالم، وانتشار بذور الكراهية ومظاهر العنصرية والاستعلاء والتمييز.