للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مجزرة قانا والصمت العالمي]

يغضب العالم حينما تطلق رصاصة أو تلقى قذيفة على محتل، ويتداعى العالم بصغاره وكباره إلى مؤتمرٍ عالمي للتنسيق من أجل صنع السلام ومكافحة الإرهاب والتطرف، أما مجزرة قانا والمجازر قبلها فتجري على سمع العالم وبصره، ولا أحد من ذوي القرار يدين، ولا يدعو لمؤتمر يزجرها، فبأي ميزان أجيزت مجزرة قانا؟! وبأي قانون استبيحت دماء أهل قانا؟! وبأي دستور يمنع أهل قانا ومن حول قانا من مقاومة الاحتلال؟!

ما حدث في قانا لم تفد فيه مناوشات، ولم توقفه الالتماسات، ولم تقلل من آثاره التأسفات.

أربعون ألف قذيفة وأكثر من ستمائة غارة في حربٍ شرسةٍ وعناقيد حقدٍ من أجل كسب أصوات انتخابية، يكسبون من أصوات بقدر ما يقدمون من جثث وأشلاء، يسترضون الناخب بنشر المآسي بكثرة الدماء؛ بل بدماء الأبرياء!

ميزان هذا العالم المتحضر يغرق في المساعدات في طرف بلا حدود، وفي طرف آخر إغماض وإجحاف وتجاهل بلا حدود، ازدواجية مقيتة، ومظالم سافرة، في توجهاتهم السياسية، ومسالكهم الأخلاقية، ومصطلحاتهم الإنسانية.

ميزان كفة القاتل منهم تمتلئ بالأعذار، وكفة القاتل من غيرهم إرهابي يهدم بيته، ويشرد أهله، وتُحاصر بلدته، ناهيك بميزان الضغط والتعاطف، فالضغط منصب على الضعفاء، والتعاطف يمنح للمعتدين.

أين مجلس الأمن وهيئة الأمم من شكوى الشاكين، وأنين الأرامل ماذا يقول الضمير العالمي؟!

وأين هي المقاطعة الاقتصادية على كل من ظلم وامتنع من تطبيق القرارات؟

يا قادة العالم! ويا أصحاب الرأي! إن مواجهة التطرف تتطلب تعاملاً بعدلٍ وإنصاف، وتجاهل العدل والسكوت على الظلم يُولِّد المزيد من التوتر والعنف والحروب برغم الهدوء الظاهر الممتلئ باليأس والغبن.

إن التحدي الحقيقي في البطالة والفقر والتجويع وفقدان الأمل، إن سياسات الحرمان والتجريف، والعزل والخنق، والقهر والاستغلال الممتدة على مدى السنين هي التي تُغذي التطرف وحب الانتقام وسلوك مسلك الإرهاب.

وليعلم أن المؤتمرات الدولية والقوة العسكرية غير قادرة على كبح جماح العنف، وإيقاف توريد الإرهاب، وإنبات التطرف، ولكن الحلَّ -كل الحل- في إعطاء الحقوق، ونشر العدل، وسلوك مسالك الإنصاف والتسامح، وحفظ الكرامة الإنسانية.

وإذا كان ذلك كذلك فكيف يُمكن الإقناع والاقتناع بجدوى مشروعات الصلح وضمان استمرارها إذا كانت الموازين بهذا التقلب والمصطلحات بهذا التلاعب.

هذا هو النداء، وتلكم هي الدعوة، والله من وراء القصد، والأمر لله من قبل ومن بعد، وهو سبحانه غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:٦٠ - ٦٤].

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.