[المبادرة بالأعمال الصالحة قبل الفوات]
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مستيقنٍ بها في جنانه ومقرٍ بها بلسانه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله المبلغ للوحيين سنته وقرآنه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون! الغفلة رأس الخطايا، يقول الحسن رحمه الله: [[الحسنة نور في القلب وقوة في البدن، والسيئة ظلمة في القلب ووهن في البدن، وظلم المعصية يطفئ نور الطاعة]] فاجتهدوا رحمكم الله في المبادرة للخيرات، والمسارعة في الطاعات، والمسابقة إلى الصالحات {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة:١٠ - ١١] {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُون} [المطففين:٢٦] {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات:٦١].
فاستبقوا الخيرات وفقكم الله، فإن الآفات تعرض، والموانع تمنع، والموت يأتي بغتة، والتسويف من مداخل الشيطان، والمبادرة أخلص للذمة، وأحزم في الأمر، وأبعد عن المطل، وأربى للرب، وأمحى للذنب، ولقد استوقف الصالحين قول الله عز وجل: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:٢٧] فكان فيها خوف السلف، بكى عامر بن عبد الله حين حضرته الوفاة فقيل له: [[ما يبكيك وقد كنت وكنت؟ قال: إني أسمع الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [لمائدة:٢٧]]]، ويقول أبو الدرداء رضي الله عنه: [[لئن أستيقن أن الله قد تقبل مني صلاةً واحدة أحب إليَّ من الدنيا وما فيها، إن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [لمائدة:٢٧]]].
ألا فاتقوا الله رحمكم الله واحذروا وحاسبوا.
كيف بمن عرف الله فلم يؤد حقه؟!
وكيف بمن يدعي محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعمل بسنته؟!
وكيف بمن يقرأ القرآن ولم يعمل به؟!
تقلب في نعمة الله فلم يشكرها، لم يتخذ الشيطان عدواً، لم يعمل للجنة، ولم يهرب من النار، لم يستعد للموت، اشتغل بعيوب الناس وغفل عن عيوب نفسه، هذا وأمثاله في غمرة ساهون، تستدرجهم النعم ويطغيهم الغنى ويلهيهم الأمل {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} [المجادلة:١٩] ولسوف يندمون إن لم يتوبوا، ولات ساعة ندم.
ألا فاتقوا الله رحمكم الله! وجدوا واجتهدوا، وسددوا وقاربوا، والقصد القصد تبلغوا، ثم صلوا وسلموا على نبيكم محمدٍ رسول الله؛ فقد أمركم بذلك ربكم، فقال عز من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين؛ الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين!
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واخذل الطغاة وأعداء الملة والدين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا ووفقه لما تحب وترضى، اللهم وأصلح له بطانته وأيده بالحق، وأيد الحق به، وأعلِ به كلمة الدين، واجعله نصرة لعبادك المؤمنين، واجمع به كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين!
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين!
اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.
اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعزاز دينك وإعلاء كلمتك، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كشمير وفي كل مكان يا رب العالمين!
اللهم سدد سهامهم وآراءهم، واجمع كلمتهم على الحق، وكن لهم، اللهم أيدهم وسددهم، اللهم واجعل الذلة على أعدائهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد على القوم المجرمين.
سبحانك ربنا، عزَّ جاهك وجل ثناؤك وتقدست أسماؤك، سبحانك وبحمدك لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك، اللهم إن هؤلاء اليهود المحتلين الغاصبين قد طغوا وبغوا، وآذوا وأفسدوا، وقتلوا وشردوا، وأحرقوا ودمروا، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم فرق جمعهم، وشتت شملهم، واجعل بأسهم بينهم، اللهم اهزمهم وزلزلهم واجعل الدائرة عليهم، اللهم انصر إخواننا في فلسطين عليهم يا قوي يا عزيز!
اللهم من أرادنا وأراد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره يا رب العالمين!
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارفع عنهم الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلادنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين!
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ؛ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.
فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.