[السعادة الحقيقية في ترك الربا والتعامل الحلال]
أيها الإخوة في الإسلام! لا سعادة لأهل الأرض كلهم ولا خير ولا بركة إلا بترك الربا، وإسقاطه من المعاملات والتعاملات، إن المخرج هو بناء نظام اقتصادي جديد، خالٍ من الربا والفوائد الربوية قليلها وكثيرها.
إن من المسلمات في عقيدة كل مسلم أن الله -سبحانه وتعالى- لا يمكن أن يحرم شيئاً وتكون البشرية بحاجة إليه، بل لا يمكن أن تصلح به الحياة، إن المصدر المشروع للكسب وسبيل الاستقرار في الاقتصاد هو العمل والجهد والعقل والتخطيط.
وكل إنسانٍ إذا استخدم قوته البدنية، وعقله المفكر، فإنه سوف يكسب حاجته وفوق حاجته بإذن الله، وسواءٌ في ذلك الأفراد أو الأمم.
إن الغنى الحقيقي ليس في تكديس الأموال وكنزها واحتكارها، ولكن الغنى الحقيقي في الاستغناء بالكسب وفتح سبله.
أيها الإخوة! العمل في ديننا قرين الجهاد في سبيل الله: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [المزمل:٢٠] وكل نبيٍ كان له عملٌ وحرفة، وما من نبيٍ إلا رعى الغنم، وما أكل نبي الله داود إلا من عمل يده، وعمر بن الخطاب اشتغل بالصفق في الأسواق، وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف مع جملة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا من أصحاب رءوس الأموال الكبيرة في كسبٍ شريف وعملٍ منتج جهزوا بها جيوش الجهاد، وفكوا بها بوائق الأمة ليس فيها درهم ربا.
إن ثروة الأمم الحقيقية هو عمل أبنائها وجد أهلها وعمل الأمة المباركة في إنتاجها لحاجاتها في غذائها وكسائها ودوائها وسائر مطالبها، ونظامنا أهل الإسلام نظامٌ عدل في معاملاته وطرق كسبه لا يطغى فيه قويٌ على ضعيف، ولا غنيٌ على فقير، ولا يكون فيه المال دولة بين الأغنياء، من أجلَّ هذا أحل الله البيع وحرَّم الربا، فالنقود لا تلد نقوداً، ولكن المال ينتج بالعمل والتبادلات التجارية والتعرض للربح والخسارة من قبل الجميع.
تبادلٌ في المنافع، قد جعل الناس بعضهم لبعضٍ سخرياً، ولم يجعل الله لأحدٍ حقاً بغير عمل، أو بدون مقابل.
أحلَّ الله البيع؛ لأن فيه عوضاً وتعاوضاً، وحرم الربا؛ لأن فيه زيادة لا مقابل لها، نظام الأخلاق ونظام الاقتصاد مترابطان فلا يقوم اقتصادٌ صحيح بغير خُلقٍ حسن.
إن منع الربا يحمي المجدين العاملين الشرفاء، الذين يتعاطون الأعمال الشريفة، والمشروعات المنتجة، ويضرب على أيدي مصاصي دماء الشعوب وكدها، لقد زعموا -وبئس ما زعموا- أن الربا حاجة ملحة وضرورة عصرية، لا غنى للاقتصاد عنها، ولا قيام للمصارف بدونها، وهذا محض افتراء! فالربا هو الدمار والخراب، ولكن بعض المهزومين، المتعلقين بالأعداء لا يستطيعون أن ينظروا بغير منظارهم.
الربا هو أحد المنافذ التي تمكن منها الأعداء من ثروات كثيرٍ من الأمم ولو كانت هذه الدعوى صحيحة، فها هو الربا قد انتشر في الأرض انتشار السرطان، وهاهي قلاع الربا قد نبتت وبنيت في كل صقعٍ من أصقاع الدنيا صغيرها وكبيرها غنيها وفقيرها والصغير والفقير لا يزال يُعاني من التخلف والقهر والاستعباد والفقر، فهل أغنتكم قلاع الربا؟
وبعد أيها الإخوة! فإن العالم يسير بسرعة مخيفة نحو كارثة اقتصادية بلا حدود، وإن هذه الكارثة لا ترجع إلى أن موارد الخير والرزق في الأرض قد تناقصت، فالموارد للإنسان والحيوان لا تزال في ازدياد، وتقنيات التصنيع في إنتاج الغذاء الكساء والدواء وغيرها ماثلة للعيان.
بل إن بعض الدول تلقي بفائض إنتاجها في البحر حتى لا تنخفض الأسعار، وما يصرف في سباق التسلح يكفي عشر معشاره لرفاه البشرية كلها: {وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [المائدة:١٠] ولكنها آثار ومحق الربا، وآثار إعلان الحرب من الله ورسوله، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:٢٧٨ - ٢٨١].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.