إن حق بيت الله المطهر، وحرمه الآمن، وجمعه العظيم، أن تتأكد به الصلات، وتتوثق عنده العلاقات على تقوى من الله ورضوان، إذ لم يشهد التاريخ أمتن ولا أطهر ولا أعمق من أخوة الدين ورابطة الإيمان، اسألوا الأوس والخزرج! اسألوا المهاجرين والأنصار! {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً}[آل عمران:١٠٣] كيف انطوت تلك القبائل المتناحرة بالأمس تحت راية المثنى، وسعد بن أبي وقاص، وخالد بن الوليد، وعقبة بن نافع، وموسى بن نصير، وقتيبة بن مسلم، ومحمد بن القاسم، كيف جاهدت تلك الأمة تحت راية صلاح الدين؟
خاطب النبي صلى الله عليه وسلم طائفة من أصحابه بقوله:{ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟ وأعداءً فألف بين قلوبكم بي؟} ولقد أجابوا وقالوا وصدقوا: لله ورسوله المن والفضل، وقال تاريخ الإسلام من بعدهم: لله ولرسوله المن والفضل.
أيها المؤمنون حجاج بيت الله! ألم تكن هذه الأمة قبل الإسلام على ضلال؟ وأي ضلال أعظم من عبادة الأوثان والطواغيت، وعبادة الشهوات؟
كان يمزقها القتل والقتال، ويسودها الفقر والذل والتشتت، بأسهم بينهم شديد، وما هي إلا أن هبت ريح الإيمان؛ فأصبح الذين كانوا بالأمس ضلالاً لا يعرفون ديناً، ولا يحملون علماً، أصبحوا أعلام هدى، وأئمةً راشدين، حملوا مشاعل الهداية إلى مشارق الأرض ومغاربها، يدعون إلى الهدى، ويصبرون على الأذى، ويبصرون أهل العمى، فما أعظم أثرهم على الناس.
أيها المؤمنون: ما أعظم أثرهم في العقائد والأخلاق، وفي الآداب والاجتماع؛ بهم قامت دولة التوحيد والإيمان، وعمرت سوق الجنة.