للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم فضح العاصي وستره]

السؤال

علمت أن فلاناً من الشباب قد ارتكب جرماً عظيماً وإثماً كبيراً، فنصحته ووجهته، وقد يكون نال شيئاً من عذاب الدنيا كشيء من العقوبة أنزلها الله، فهل من الواجب علينا فضحه عند الناس؟

الجواب

لا شك أن الإنسان قد يقع في ذنب أو في موبقة من الموبقات ويستره الله عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الحالة قال: {من أصاب شيئاً من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، فإنه من يُبْدِ لنا منكم صفحته نقم عليه الحد} فالأصل في مثل هذا أن يستر الإنسان على صاحبه حتى ولو رآه على منكر.

لا شك أنك تنكر عليه وتنصحه، لكنك تستر عليه؛ بمعنى ألا تتحدث عن فعله، وألا ترفع بأمره إلى المسئولين، ما دام الأمر في هذه الحدود.

أما إذا كان شره مستطيراً، أو كان ضرره يتجاوز إلى غيره، أو تخشى أن يؤثر على الناس، أو أنه تكرر هذا منه كثيراً، على الرغم من النصائح المتوالية والتوجيهات ثم خشي منه، وكان من المصلحة تنبيه أولياء الأمور والرفع إليهم، فنعم.

وإلا فالأصل هو الستر، ولهذا ينبغي أن تستر على أصحاب المعاصي، ولو رأيته تنصحه.

ولهذا رأى سعيد بن المسيب رجلاً يجر آخر كان مخموراً أو نحو ذلك قال: هلا سترته بثوبك! أو لو سترته بثوبك كان خيراً لك.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك لأخي ماعز عندما أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: {هلا سترته بثوبك؟}.

فالأصل يا إخواني هو الستر على هؤلاء؛ لأن الستر غالباً يكون طريقاً إلى الرجوع والتوبة؛ لأن الفضيحة أحياناً قد تورث عناداً، وتورث استكباراً، وقد تورث غلظة في الطبع وغلظة في قبول النصائح.

ثم الستر أيضاً حتى لا تفشو المعاصي والمنكرات في الناس؛ لأنه إذا تحدث الناس بها، ولم تقع العقوبة، هان وقعها في النفوس، لكن إذا بقيت مستورة بقيت كبيرة، ولا يحب الناس الحديث بها، لكن حينما يفشو الحديث فيها، ويتناقلها الناس، يخف ارتكابها، ولهذا كان على الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا وزر كبير وعذاب أليم في الدنيا والآخرة؛ كما قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:١٩].

ولهذا كان من أعظم الذنوب أن يقع الإنسان في الذنب، فيستر الله عليه، ثم يذهب فيكشف ستر الله عليه ويتحدث، ويقع في هذا أحياناً بعض من سترهم الله عز وجل ثم عادوا من سفر المعصية ليتحدثوا إلى أترابهم وأقرانهم، وهذا لا يجوز بأي حال، وقد أثم في سفره وأثم بعد عودته! وهذا من إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا.

ومثل ذلك أيضاً: بعض وسائل الإعلام التي لها في هذا باع ليس بقصير، فإن هذا من إشاعة الفاحشة وهذا لا يجوز، ولهذا إذا أشيعت خف وقعها على الناس، وخف الإحساس بها، وكما يقال: إذا كثر الإمساس قلَّ الإحساس.

ولهذا إذا رأيت عاصياً فينبغي لك أن تستر عليه، لكن لا يعني ذلك أنك لا تنصحه، ولا يعني أنك لا تتابعه فيما بعد في إصلاحه واستصلاحه، لكن يكون ذلك سراً بينك وبينه، لا أنك حينما تستر عليه، إذا بك تتحدث عنه إلى إخوانك أو إلى أهلك، ثم لا يمر أسبوع أو أسبوعين إلا وقد ظهر الخطأ، فهذا لا ينبغي ولا يجوز.