والاجتهاد في تفسير النصوص أو النظر في الوقائع لتنال حكمها في الشرع طريقه إما بالنص المنصوص عليه، وإما فهم النص فيما لم ينص عليه، ولا يكون ذلك إلا لذي الرأي الحصيف المدرك لعلم الشرع الشريف.
وفي هذا يقول الغزالي: وأشرف العلوم ما ازدوج فيه العقل والسمع، واصطحب فيه الرأي والشرع، وميدان هذا علم أصول الفقه؛ فإنه يأخذ في هذا سواء السبيل، فلا هو تصرف بمحض العقول بحيث لا يتلقاه الشرع بالقبول، ولا هو مبني على محض التقليد الذي لا يشهد له العقل بالتأييد والتسليم اهـ.
وذلكم هو ميدان الاجتهاد، من أجل تحصيل الحكم الشرعي في مسألة غير منصوصة، وبتعبير آخر فالاجتهاد هو بذل المجهود في طلب المقصود من جهة الاستدلال، هكذا عرفه الجرجاني في تعريفاته.
والاجتهاد يشمل الدقة في فهم النص وفي طريقة تطبيق حكمه، أو في مسالك ذلك التطبيق على ضوء الملاءمة بين ظروف النازلة التي يتناولها النص، والمقصد الذي يستشرفه النص نفسه من تطبيقه، يوضح ذلك الإمام شمس الدين ابن القيم رحمة الله عليه في عبارة سلسة مبيناً نهج الصحابة رضوان الله عليهم فيقول: " فالصحابة رضوان الله عليهم مثلوا للوقائع بنظائرها، وشبهوها بأمثالها، وردوا بعضها إلى بعض في أحكامها، وفتحوا للعلماء باب الاجتهاد، ونهجوا لهم طريقه وبينوا لهم سبيله اهـ.
وليس المقصود بالاجتهاد التفكير العقلي المجرد، فهذا ليس منهجاً مشروعاً، بل هو -أعني التفكير العقلي المجرد- افتئات على حق الله في التشريع، حتى لو كان جاداً بعيداً عن الهوى، مادام أنه لم ينطلق من مفاهيم الشرع ومبادئه وأصوله وحقائق تنزيله ومثله العليا ومقاصده الأساسية.
ومن أجل هذا فإن نطاق الاجتهاد الشرعي يتمثل بفهم النصوص الشرعية وتطبيقاتها ودلالتها وقواعد الشرع المرعية.