هذه الخصلة من الأدب متممة لما ذُكِرَ، من أصل التجرد في طلب الحق إلى آخره، ومن أجلى المظاهر في ذلك أن يُدافع المناظر والمتحاور عن نفسه حب الظهور، والتميز على الأقران، وإظهار البراعة، وعمق الثقافة والتعالي عن النظراء والأنداد.
إن قصد انتزاع الإعجاب والثناء واستجلاب المديح مفسدٌ للأمر، صارف عن الغاية، وسوف يكون فحص النفس ناجحاً ودقيقاً لو أن المحاور توجَّه إلى نفسه بهذه الأسئلة:
هل ثمت مصلحة ظاهرةٌ تُرجى من هذا النقاش، وهذه المشاركة؟
هل يقصد تحقيق الشهرة، أو إشباع الشهوة في الحديث والمشاركة؟
هل يتوقع أن يتمخض هذا الحوار عن نزاع وفتنة وفتح أبواب من هذه الأبواب التي حقها أن تُسدَّ؟
ومن التحسس الصادق والنصح الصادق للنفس: أن يحذر بعض التلبيسات النفسية والشيطانية، فقد تتوهم بعض النفوس أنها تقصد إحقاق الحق، وواقع دخيلتها أنها تقف مواقف انتصار ذات هوى، ويدخل في هذا الباب: توطين النفس على الرضا والارتياح إذا ظهر الحق على لسان الآخر ورأيه.
ومن الجميل وغاية النبل والصدق مع النفس وقوة الإرادة وعميق الإخلاص: أن توقف الحوار إذا وجدت نفسك قد تغيرَّ مسارها ودخلت في مسارب اللجج والخصام ومدخولات النوايا.
وأكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.