أيها الناس! وبمراجعة متأنية ونظرة فاحصة، فإن للنظرة المادية السائدة في تلك المناهج وتفسير الأحداث وبناء الغايات ورسم الأهداف أثراً في ذلك عظيماً.
لقد بنيت فلسفات هذا العصر ومبادئه وثقافته وسياساته على مادية جافة، فالإيمان مقصورٌ على المحسوسات، لا أثر للغيبيات وما وراء الحس إنما هو التعلق بالدنيا، والإغراق في الاستكثار منها، وقصر العلوم والمعارف والمكتشفات في حدودها.
تأملوا هذه اللفتة العظيمة في هذه الآية الكريمة من سورة الروم:{يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}[الروم:٧].
ليس لأعمال القلوب مكان إنما هو اهتمامٌ باللذائذ، وإغراقٌ واستغراق في الشهوات والمستلذات.
ولهذا يتجلى الغلو في العناية بالرياضات البدنية، والألعاب الرياضية، والرقص، والغناء، والتمثيل، واللهو، والطرب، والنحت، والرسم، وما كان على هذه الجادة.
ليس للدين أي أثرٍ في الأخلاق والسياسات والفلسفات والمبادئ.
الدين عندهم تقليدٌ من التقاليد؛ ليس له أثرٌ في النفوس أو سلطانٌ على القلوب؛ خصامٌ نكد بين العلم والدين والروح والجسد، ليس في تلك الأنظمة الفكرية مكانٌ لله -تعالى الله وتقدس- ولا يشعرون بالحاجة إليه -تنزه وتعاظم- بل الإله في تلك الثقافات والتاريخ يُجَسَّد في آلهة متعددة، تنحت لها التماثيل، وتبنى لها المعابد والهياكل، حتى الأعمال القلبية والمعاني المجردة صنعوا لها آلهة في أجسامٍ وأصنام وأشكال وتماثيل، فللحب عندهم إله، وللجمال عندهم إله.
والدين طقوسٌ وترانيم جافة؛ فإذا أديت فتقليد ووراثة.
من أجل هذا كله، ظهرت القسوة، وساد العنف، وحل التظالم، واختلطت المبادئ، بل انتكست وانقلبت، إن كثيراً منهم لا يرجون لله وقاراً، وهم عن الآخرة هم غافلون.