للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطاب الله تعالى للأنبياء بالتوحيد]

أما الحديث عن الأنبياء فطويل جداً، سواء فيما يتعلق بالأنبياء على جهة الأفراد موسى وإبراهيم ونوح وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء، أو على جهة العموم كل الأنبياء فمن الآيات التي تتعلق بالأنبياء جميعاً قوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} [الزمر:٦٥].

الذين أوحي إليهم هم الأنبياء، والحديث مع الرسول صلى الله عليه وسلم وأنبياء الله جميعاً، فإنهم هم المختصون بأنهم يوحى إليهم {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:٦٥] وحاشاه عليه الصلاة والسلام وحاشا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الشرك.

لكن فيه ما يدل على أن هذه هي القضية الكبرى، وسنرى بعد قليل كيف أن الخلل تطرق إلى الناس في التوحيد، حتى ولو كانوا مسلمين، ولو كانوا في ديار مسلمين؛ وذلك أن التوحيد حقيقته إفراد الله عز وجل بما يختص به، فإن كان توحيد الألوهية فهو إفراده بالعبادة، وإن كان توحيد الربوبية فهو إفراده بأفعاله في الخلق والرزق والملك والتدبير إلى آخره، وإن كان توحيد الأسماء والصفات فهو إفراده بما يختص به من أسماء وصفات سبحانه وتعالى.

إذاً: التوحيد هو إفراد الله بما يختص به، فأي خلل في توحيد الربوبية ومع الأسف أن الماديين الآن دخلوا حتى في شرك الربوبية، وهذا الذي لم تفعله الأمة السابقة أو في الألوهية، وسوف نتعرض لبعض الصور في ذلك أو في الأسماء والصفات، فإنها محل نزاع شديد بين المعطلة والمشبهة، وتنزيه الله وحدود التنزيه والوصف، وإن كان هذا غالباً أكثره بين الفرق المختصة، وإن كانت العامة قد لا تدخل فيه كثيراً، فما يتعلق بالأسماء والصفات، فهو غالباً بين المختصين أكثر، وإنما العامة تتلقى ما يقوله العلماء فيما يتعلق بوحدة الوجود، أو فيما يتعلق بالتنزيه، وفيما يتعلق بطريقة التنزيه وطريقة التكييف، فالتنزيه أحياناً يكون عدماً، والعامة تتلقى أن التنزيه يعني العدم والحديث في هذا يطول، والوقت لا يسمح أن نخوض فيه كثيراً لكن مقصودنا هو الحديث عن التوحيد، الذي هو حق الله عز وجل، وإفراده بما يختص به من أفعاله سبحانه وتعالى، وأفعال العباد والأسماء والصفات؛ ولهذا كان حديث القرآن كله عن هذا الموضوع، قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:٦٥ - ٦٦].

آية أخرى تتعلق بالأنبياء جميعاً في سورة الأنعام لما ذكر الله جملة من الأنبياء -وهي أحصى آية ذكرت الأنبياء- قال الله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:٨٣ - ٨٨].

يقول ابن كثير رحمه الله في كلام ما معناه: إذا كان هذا الحديث مع أنبياء الله -وحاشاهم أن يشركوا- فلماذا لا يكون الخوف من الشرك، فإن الله عز وجل يقول: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:٨٨] وهؤلاء هم الأنبياء، وفيهم أولو العزم؟!

هذا فيما يتعلق ببعض الآيات التي تدل على ما يتعلق بالتوحيد مع الأنبياء في الجملة، أما الخاصة ببعض الأنبياء، فمن أظهرها ما يتعلق بإبراهيم عليه السلام، فإبراهيم هو صاحب الملة الحنيفية، وقد أمر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملته: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:١٢٣] إبراهيم خاطبه الله عز وجل بقوله: {وإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود} [الحج:٢٦] وهو الذي حكى الله عز وجل عنه قوله: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم:٣٥ - ٣٦].

والحديث في هذا لن نقف عنده طويلاً، وإنما نورد بعض الأمثلة، لنرى أن الحديث عن التوحيد لا يختص بالكفار، ولا يختص بمتهمين إن وجد متهمون، وإنما الحديث عن التوحيد غيرة على حق الله عز وجل.

ويقول الله عز وجل في حق عيسى عليه السلام -وهذا من أكثر ما ذكر أيضاً-: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} [المائدة:١١٦] وغيرها من الآيات التي ذكرت في قصة عيسى مع قومه بني إسرائيل فيما يتعلق بالشرك.

وفيما يتعلق بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم هناك آيات كثيرة، يقول الله تعالى: {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [القصص:٨٧] {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:١٠٨].

إلى غيرها من الآيات التي تتحدث عن التحذير من الشرك في حقه عليه الصلاة والسلام، كما في قوله تعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:١٠٦] وليس الموضوع استعراض للآيات بقدر أن المقصود هو التمثيل.

ونشير إلى آيات أخرى أيضاً