[صور من الإخلال بالتوحيد]
أيها الإخوة في الله:! الأمر خطير ودقيق، شرك خفي في المحبة والتألُّه والخضوع والتذلل، مَن أعطى حبه وذُلَّه وخضوعه وتسليمه وانقياده وطاعته لغير الله، فكيف يكون محققاً للتوحيد؟! {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:١٢١].
{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة:٣١].
هذا مشرك في الخوف والرجاء، وآخر في الجهاد والتضحية، وذاك مشرك في باب الأسباب، وآخر في باب النفع والضر، وانظروا في السحر والشعوذة، والتطير والتشاؤم، والرقى والتمائم، والحلف بغير الله، في صور لا تكاد تحصر، ناهيك بدعاء غير الله، والغوث من المقبورين، والغلو في الصالحين، والطواف حول الأضرحة، يدعون عندها ثم يدعونها، ويعلقون عليها القناديل والسرج والستور، ويذبحون عندها ولها، ويتمسحون بها، ويتطور الحال حتى يتخذوها أعياداً ومنسكاً، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها الإخوة! وصورة جديدة من صور الخلل في التوحيد، باءت بها فئات من المنتسبين إلى الإسلام، تزعم الثقافة والاستنارة، لا ترضى بحكم الله ولا تسلم له، بل إن في قلوبها لحرجاً، وفي صدورها لغيظاً وضيقاً، إذا أقيم حدٌ من حدود الله ارتعدت فرائصهم، واشمأزت قلوبهم، قاموا وقعدوا، وأرغوا وأزبدوا، ولهم إخوان يمدونهم في الغي، يزعمون الحفاظ على حقوق الإنسان، وما ضاعت حقوق الإنسان وحقوق الأمم إلا بهم وبأمثالهم، الإسلام عندهم ظَلَم المرأة وهَضَم حقوقها، والحدود قسوة وبشاعة وتخلف، وحكم الردة تهديد لحرية الإبداع والفكر، وأحكام الشرع كلها عودة إلى عصور الظلام والتعصب والانغلاق، بل لقد أدخلوها في نفق الإرهاب المقيت {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥].
الله أكبر! التوحيد صعب على الأذلاء، ومن سيم الخسف والذل والتبعية {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:٥] صعب على من استمرءوا الفساد، وولغوا في الأوحال {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:٤٥] إنهم لا يعرفون التوحيد، ولا يعرفون صفاء الدين، مستعبَدون في فكرهم، مشركون في تفكيرهم، وكأنهم قالوا للذين كفروا وكرهوا ما نزل الله: سنطيعكم في بعض الأمر، بل لعلهم قالوا: سنطيعكم في كل الأمر.
إنهم حين لم يعرفوا التوحيد ولم يحققوه، أصبحوا وكأنهم فئة منفصلة عن الأمة، فئة منفصلة عن أمة الإسلام بفكرها وسمتها ورؤيتها وغايتها، مشدودة من خارجها من الشرق والغرب في السياسة والاقتصاد والاجتماع والأدب، وقد تجلى ذلك في تجاهلهم بل تمردهم على تاريخ الأمة وأصالتها وتراثها.
وبعد أيها الإخوة: فإن نعمة التوحيد يخرج بها قلب العبد من ظلمات الشرك وجهالاته إلى نور الإيمان بالله وتوحيده، يخرج من التيه والحيرة والضلال والشرود إلى المعرفة واليقين والطمأنينة والرضا والهداية، يخرج من الدينونة المذلة لأرباب متفرقين إلى الدينونة الموحِّدة لرب الأرباب: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:٨٨].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:٥٧ - ٦١].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.