أيها المسلمون! والتشبه يكون بفعل الشيء لأجل أن الأعداء فعلوه، ومن فعل شيئاً لأن غيره قد فعله فقد تشبه به، ومن تبع غيره في فعل منسوب إليه فقد تشبه به، والمتشبه محب لمن يتشبه به، ومحب لعاداته:{والمرء مع من أحب} والإنسان ميَّال بطبعه إلى نظيره وشبيهه، وهذه طبيعة الإنسان مفطورٌ عليها، وهذا يورث مودة وألفاً، فمن تشبه بقوم أو طائفة وجد في قلبه أنساً بهم وميلاً إليهم، كما يجد نفوراً وابتعاداً ممن يخالفه أو يعارضه، وقد شهد الحس والوجدان بأن النفوس مجبولة على حب من يتبعها، ومن تشبه بغيره في مظهره وعادته وسلوكه ولغته أو أي شيء من أشيائه، فإنه يولد إحساساً بالتقارب، وشعوراً بالتعاطف، والطيور على أشباهها تقع، فإذا كانت المشابهة في الأمور الدنيوية تورث مثل هذه المحبة والمودة والميول والمشاكلة؛ فكيف بأمور الدين والتربية والأخلاق والإعجاب بأحوال الأعداء ومبادئهم ونظمهم؟ فإنَّ إفضاءها إلى أنواع من الموالاة أكثر وأشد مما قد يقود الواقع فيها إلى الدخول في قضايا الإيمان ومسائل الاعتقاد.
أيها المسلمون! ومن أجل هذا فقد تكاثرت النصوص وتواترت في التحذير من التشبه بالكفار في جميع مللهم وعقائدهم، وفي كل ما له صلة بالعقائد والعبادات والعادات، ففي باب العقائد جاء النهي عن اتخاذ القبور مساجد، وعن الغلو في الصالحين، واتخاذ القبور مشاهد ومزارات والبناء عليها، كما جاء النهي عن التفرق في الدين، وعن العصبيات والتحزبات والشعارات، وكذلك النياحة على الميت، والفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، وحمية الجاهلية.
وفي العبادات ورد النهي في مسائل كثيرة من أبواب الأذان والمساجد، والصلاة في أوقات صلاتهم أو هيئاتها، والصيام في أوقات صيامهم، والحج على طريقتهم، والنكاح والذبائح والأعياد.