للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حسد الكفار لأهل الإيمان]

الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل، أحمده سبحانه وأشكره لا ند له ولا مثيل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو على كل شيء وكيل، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله المبعوث بالهدى والحكمة ومحكم التنزيل، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه من كل أمة وجيل.

أما بعد:

أيها المسلمون: من أشد أنواع الحسد ما سجله القرآن الكريم على أهل الكتاب والمشركين والمنافقين من الحنق على أهل الإسلام، والغيظ الذي تمتلئ به صدورهم، قال الله: {بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [البقرة:٩٠] {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:١٠٥] {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة:١٠٩].

إنه بيان جلي لما تضمره نفوسهم وتكنه صدورهم من الحسد على النعمة في دين الله الحق لقد حصرت صدورهم أن يتبعوا الحق وتمنوا حرمان المسلمين من هذه النعمة ليرجعوا كفاراً، وشواهد عصرنا على هذا كثيرة، وكل ذلك حسداً من عند أنفسهم، ولم يكن ذلك لشبهة دينية قائمة عندهم، ولكنه خبث في نفوسهم وإصرار على الباطل، وآيات أخرى تزيد ذلك وضوحاً وجلاءً، يقول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً * أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً} [النساء:٥١ - ٥٤]

إنهم لا يكفون عن تشويه الإسلام واتهام أهله وتحريض أعدائه في كل زمان ومكان، إن حقدهم لهذا الإسلام وحسدهم لأهله أضخم من أن يدارى، وأكبر من أن يخفى إنها جبلة واحدة وخطة واحدة وغاية واحدة على مر العصور وكر الدهور: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً} [النساء:٥٣].

عجباً أيها الإخوة! إنهم لا يطيقون أن ينعم الله على عبد من عبيده بشيء من فضله، ولو كان لهم نصيب من الملك لشحوا بالنقير والقطمير، وإن مجريات الاقتصاد العالمي ماثل مشاهد، ولكن الملك والتدبير لله وحده، ولولا ذلك لهلك الناس جميعاً لأنهم لا يؤتون النقير ولا القطمير: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:٥٤].

إنه الحسد على دين الله الذي أنشأ أتباعه إنشاءً، ووهبهم -بإذن الله- الحق والنور، والطمأنينة واليقين، والطهر والعز والتمكين، مما أثار حسد الحاسدين وحقد الحاقدين.

أيها الإخوة: لقد شهد اليهود والنصارى والمشركون بدين الله وهيمنته على سائر الملل والمحن؛ فهو من الوضوح والقوة ما يبهر الأبصار بنوره، ولمثل هذا تكثر السهام وتتنوع المؤامرات بقصد اقتلاعه وتشكيك أبنائه وهدم قلاعه، ولكن الحق لا ينقلب باطلاً بتشكيك المتشككين وإرجاف المرجفين، والباطل لن يكون حقاً ولو تجمع الناس عليه وتهافتوا: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:٣٢ - ٣٣].

ألا فاتقوا الله يرحمكم الله، ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦]

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أرحم الرحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك المؤمنين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا ووفقه لما تحب وترضى، وأيده بالحق وأيد الحق به وأعز به دينك وأعل به كلمتك، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمتهم يا رب العالمين.

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لرعاياهم.

اللهم أبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.

اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كشمير وفي كل مكان، واجعل اللهم الدائرة على أعدائهم، واجعل كيدهم في نحورهم يا قوي يا عزيز.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن والفواحش ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.